Øنا ابو Øنا , “عرّا٠الكرمل” لاجم الجØاÙÙ„ ومائيسترو جوقة البلابل .
قبل ان تصير أم الÙØÙ… ملجأً لعائلتنا , بعد النكبة, شكّل بيتها لها هناك مقر “عÙزبة” . إليه تلوذ, تاركةً مسكنها ÙÙŠ اللجون, شهراً ÙÙŠ السنة للإستجمام والراØØ© والتوØد. وبعد النكبة , Ù…ØاÙظةً على هذا التقليد, كان قد بنى ابي مع أخيه :” أبوي Ù…Øمد” عزبة ÙÙŠ عين الزيتونة. كان ربيع Ø£Øد سنوات النص٠ألأول من ستينات القرن الÙائت , قبل دخولي Ù„” البستان” Øينما أعتزلت عائلتنا ÙÙŠ ذلك البيت الوØيد المبني بالØجر ألأبيض الخÙي٠على سÙÙˆØ Ø¹ÙŠÙ† الزيتونة المÙطلة على شارع وادي عارة.
عصر كل يوم كنت أتوجه الى زيتونة رومية Ù„ “Ø£ÙقيÙÙ„” على ” جنابية” , تÙرشها لي أمي , رØمها ألله, بعد ان تذكرني بأن ” أبوي Ù…Øمد ” قد لجم الØيوانات* والزواØÙ ,داخل Ùوهة تكونت ÙÙŠ جذع الشجرة على شكل خيمة . أراقب أغصان الزيتون , اتأمل أوراقها , أصغي Ù„ØÙÙŠÙها. تتØرك عيوني مع تØليق العصاÙير , أمتع نظري بزركشة الÙراشات والأزهار وأنÙاسي بعبيقها وأصغي طويلاً لنبض المØيط وأنغامة Ùيأخذني السهاد الى تØليق Ùردوسي أمين.تعلو سÙÙˆØ Ø¹ÙŠÙ† الزيتونة هضاب الروØØ© ذات الإنØناءات اللينة والرشيقة الباهتة بتØية تواضع لهيبة قمة الكرمل.
“عرّا٠الكرمل” Ø£Øد الكتب الذي وصلني ÙÙŠ رزمة, ØµØ¨Ø§Ø Ù‡Ø°Ø§ ” الجمعة الÙضيلة” . كان قد دل٠البوسطجي الى مكتبي منتشياً , إدراكاً منه بشغÙÙŠ بتسلم الكتب, معلناً عن وصول طرد ثقاÙÙŠ قادم من ØÙŠÙا. على الغلا٠وقد مزقته وسائل النقل وقع نظري على المرسل , بخط جميل وأنيق , كمن يقدس الأØر٠والكلمات, قرأت : Øنا أبو Øنا.
يطابق تعارÙÙŠ على الشاعر , ÙÙŠ النص٠الثاني للسبعينيات, عدة Øالات تقديم لشخصيات رÙيعة من علماء , Ùنانين وشعراء. للوهلة الأولى , لأسباب غير مجد٠ذكرها, تØدث مشّادة كلامية , Ù…Ùشاكسة أو نقاش Øاد بيننا , سرعان ما تÙضي الى المصالØØ© وإرساء السلام وعقد الصداقة الØميمية. تكرر هذا الطقس مع بروÙوسور تشيزاري دال بالو مدير القسم ألأول للأمراض الداخلية , ومن ثم مع بروÙوسور لويجي باÙان مدير القسم ألأول للطب النÙسي ÙÙŠ كلية الطب ÙÙŠ جامعة بادوÙا Øيث تخرجت . وأذكر Ù†Ùس الدينامية مع المسؤولة عن الجانب الÙني أولغا روساكوÙا ÙÙŠ المدرسة الØزبية , زمن الشيوعية, ÙÙŠ موسكو للØزب الشيوعي السوÙييتي ÙˆØلّت عليّ ضيÙةً ÙÙŠ إيطاليا. لا بل لقائي الأول مع ميلينا ميلاني وماريا لويزا سباتسياني , شاعرتان إيطاليتان مخضرمتان أتص٠بنÙس ألأسلوب ومعهما ما زلت أنتج أدباً. كذلك ألأمر مع الرسام إرنيستو تريكاني والذي زيّن منشوري ” شظايا الروؔ برسوماته.
كان Øنا أبو Øنا يدير الكلية العربية ألأرثوذوكسية , Øيث درستÙ. وهنا أراه جديراً إقتباس Ùقرة من Ùصل عنه , ونشرته ÙÙŠ كتابي بالإيطالية: ” إسلامي , يوميات Øربية لشاعر Ùلسطيني يعيش ÙÙŠ إيطاليا, منشورات سباتسيو كولتورا, كورتينا- إيطاليا , 2002″.
وترجع الكتابه إلي يوم 29 أكتوبر 2001        Â
…”يوماً ما، ÙÙŠ بداية السنة الدراسية، Øنا أبو Øنا، والذي كان ÙŠÙدرّسنا الأدب الإغريقي، أعلن عن امتØان Ùجائي. ÙˆØينما كنّا منشغلين بالإجابة على الورق، كان المدير يطو٠بين صÙو٠المقاعد. يتوق٠بجانب Ø£Øدها وينظر إلى ما يكتبه التلميذ. لم يكن يعر٠أسماء كل الطلاب، ولا اسمي.
عندما كنت منهمكاً‌ بالكتابة، كان توقّ٠إلى جانب مقعدي، نظر طويلاً لما أكتب.
بعد أن انتهى وقت الامتØان وسلّمْنا له الأوراق، Ù„Ùظ اسمي بصوت Øازم ودعاني للإجابة Øول موضوع أدبي. بدأت الكلام، لكنه، بشكل Ùجائي، قاطعني بقسوة متهماً إياي بأني لست أهلاً للإجابة، وأنه يعر٠عن طريق معار٠له، جيراني، أنني أذهب إلى النوم متأخراً، أدخن، وأنني أصÙل٠إلى المدرسة صباØاً متأخراً.
جمّدتْني ملاØظة المدير. عصرَ ذلك اليوم كنت قلقاً كذلك الليلة اللاØقة.
ØµØ¨Ø§Ø Ø§Ù„ÙŠÙˆÙ… التالي وقبل الدخول للصÙØŒ توجّهْت٠إلى مكتبÙه، وبإصرار طلبت من موظÙته لقاءً طارئاً معه.
استقبلني Øنا أبو Øنا، كنت غاضباً وبصوت متØدّ، قلتÙ:
“ليس Ù…ÙنصÙاً ما قلته عني أمام زملائي ÙÙŠ الص٠أمس. بادئ ذي بدء، لم تكن قد قرأت بعد أجوبتي، ومن ثمّ لم تمكّني أن أجيبك. أعترÙ٠بأنني أذهب إلى النوم متأخراً لكني لم أتأخر عن توقيت Ø§Ù„ØµØ¨Ø§Ø ÙˆÙ„Ùˆ لمرة واØدة.”
“كي٠لا؟ أيام خلت، ÙØصت ملÙÙƒ وهناك إشارات عن وصولك متأخراً صباØاً إلى المدرسة”. قال المدير.
“ليس صØÙŠØاً” أجبت بلهجة مقتنعة.
ÙÙŠ تلك اللØظة، طلب المدير من موظÙته Ø¥Øضار ملÙÙŠ والذي ÙŠØوي معلومات Øولي ولاØظ أنه كان أخطأ. استÙسر Øول رسالة وقّعها بنÙسه وموجهه لأب Ø£Øد الطلاب ÙŠØمل اسمي.
“نعم، ذاك طالب آخر، ÙŠØمل الاسم Ù†Ùسه لكنه من ص٠آخر” أجابت الموظÙØ©.
استمر المدير بقراءة الملÙ. ابتسم بعد أن لاØظ علاماتي ÙÙŠ الامتØانات.
“تكتب أيضاً الأشعار، علاماتك عالية!”
راÙقني إلى صÙÙŠ وبعد أن طلب إذن الدخول من مدرس الØصة الأولى، قال أمام أبناء صÙÙŠ:
“أمس كنت أخطأت مع زميلكم. كان لدي عدم انتباه. ذلك الذي قلته بØقه لا يستØقه. والآن أعر٠أنه أيضاً شاعر. أعتذر وسنكون أصدقاء”…
 وهناك, ÙÙŠ اروقة الكلية, بإهتمام ÙˆØرص نظرات الأب راÙقني المدير ÙÙŠ أولى خطواتي ألأدبية.
ثلاث عقود مرت ومن جديد, كأن شيئاً لم يكن , تعتريني مشاعر طمأنينة أزلية , ØªØ²ÙŠØ Ø±ÙƒØ§Ù… الغربة ودخان الإكتئاب, زهو ÙˆÙØ±Ø Ø¹Ùوي وهيبة ÙÙŠ التØليق ÙÙŠ ديوانه ” عرّا٠الكرمل”.
غنيٌ عن التذكير بأن الكاتب ÙŠÙعتبر ” Øارس ذاكرة” Ùلسطين, ÙÙÙŠ منشوراته كان قد وص٠بلادنا بكل Øيثياتها: جغراÙية , تضاريس, عادات , تقاليد , طقوس , مجتمع , طرائÙ, معارك, Ø£Øزاب , تاريخ , سياسة وكل تÙصيل لاØظته عيناه الثاقبتين سجّله ÙÙŠ ذهنه ووثقه, طرزه وأشهره علماً مرÙرÙاً مجلجلاً للتاريخ , للأجيال القادمة وأمام من قصدوا شرخ ودÙÙ† هذا الوطن.
” عرّا٠الكرمل” تراتيل هادئة يتلوها بصوت هادئ , رخيم وواثق كالداعي للصلاة والإبتهال.
ÙŠØلق كالنسر ÙÙŠ أجواء البلاد ويغوص ÙÙŠ أعماق آلام ناسها ÙˆÙÙŠ مجالاته يعين أسباب ÙØ±Ø ÙˆÙ…ÙˆØ§Ø¹ÙŠØ¯ أعياد يتكرم بها على من يقرأه ويتقراه.
يخصص ÙÙŠ ديوانه القليل من القصائد السياسية والوÙير من الØب وعنÙوان العشق. Ù…Øاكاة الطبيعة ÙˆØ§Ù„Ø±ÙˆØ ÙˆØ§Ù„ØªØ£Ù…Ù„Ø§Øª الÙلسÙية , طلاسمية, سريالية وسرمدية لم Ø£Ùككها بعد ,وأبيات تعمر دÙءاً Ù…Ùهداة لمقربيه.
“الهي كي٠اقتÙÙ„Ùعْنا بومضةْ/كأنْ لم نكن/وكلّ الذي بنينا وكلّ الذي ورثنا/ذرته العواص٠أيسر من قلع Øوض Øبق”. بهدوء هذه النبرة واصÙاً هول الØدث تكمن صخب وزمهريرة إستعداده للمواجهة , تخÙي٠تداعيات الÙجيعة والبØØ« عن مراÙئ آمنة.
يأتيه الموت بذاته , Ùهو كشعبه غير قابل للÙناء ,لإسداء النصيØØ© ونشله من الذعر, يقول له: ” عش ما ÙŠØªØ§Ø Ù‚Ø¨ÙŠÙ„ الرّسوّ على ساØلي/تمتع بنسمة عطر على جÙÙ† زهرة”.
Øتى لو ذهبنا للموت طوعياً Ùهذا سيلÙظنا للØياة لجدارتنا بها لأنه “على هذه الأرض ما يستØÙ‚ الØياة” ولنا الكثير ما Ù†Ùعل ! لم ÙŠÙهمها بعد المتمترسون على سدة الØكم ÙÙŠ بعض العواصم.Â
لكنه أيضاً بسرعة البرق ÙŠÙعيÙÙ† ÙÙŠ رØاب ذهنه وروØÙ‡ الÙلسطينية دروساً ومØطات وشلالات من المÙاتن ÙŠÙسمÙÙŠ بها وجوده وأبناء شعبه ويدعو لكبرياء الخيال والØلم : ” تعلمتَ كي٠تناور تصطاد بين الدموع Ùراشةْ/ وكي٠يراود الØلم عبر السراب/ ÙتØيا الثوانيَ خل٠الغيوم/ تطرّز بالأمنيات ÙˆØ´Ø§Ø Ø§Ù„Ø³ÙŽØَر” .
يجد ÙÙŠ ÙˆØ´Ø§Ø Ø§Ù„Ø³Øر , ظلال القمر, الريØان , الياسمين, زقزقة العصاÙير , خرير الأنهار , هدير ألأمواج وما تنعم بها ألأرض والسماء من لواعج للنعيم المجاني مرÙØ£ سلامة كي ÙŠØ´ÙŠØ Ø¹Ù† أنظاره وذهنه صور Ø·Ùرات وجودية لخصمÙه٠لما Ùيها من العبث ومعضلة التعامل والتÙسير : ” غابةٌ من Øديد/وأÙعي تسخّن ÙÙŠ الشمس سÙمّاً ونابْ/جَØÙل٠الخÙوذ الØاشدةْ/والقلوب التي صدئتْ/ والعيون التي رØلت/ من وجوه الجنود الى Ùوهات البنادقْ”.
Ùشلّخوا Ùلسطين وأهلها ليستنبطوا من Ø£Øشائها الØليب والعسل ولينعموا بسلام . ÙˆØنا أبو Øنا يشير ما هو ÙˆØ§Ø¶Ø Ù„Ù„Ø¹ÙŠØ§Ù† : كي٠يمكن تذوق الØليب والعسل والمقدرة على الرؤية والإØساس عند رØيل العيون من جØراتها والتمترس على Ùوهة البنادق, ليصير ” Ù„ØÙ…Ùنا على Øبل الرصاصْ/خبزنا من من عجين الدما والتراب”.
وهنا ترسخ تراجدية الخصم والذي لم ÙŠÙهم بعد انه قد Ùقد من أنعم الله به عليه من قدرة ÙÙŠ الإØساس وقد Ø£Ùضطر لتشويه كيانه, لاØقاً أوهاماً قوقعْها ÙÙŠ ذهنه رواد اللاسامية, بناة المØارق ومنÙذي البوغروم ولا ÙŠÙقه ان تنكيلاته ÙÙŠ تضاريس الوطن وجوابي Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù†Ø§Ø³ ليس إلاّ تنÙيذاً لنداءات رهيبة لاواعية دمغه٠بها سياسيو القارة المشيخة ÙˆØولوه الى شبه روبوت بقلب صدئ.
“عرّا٠الكرمل” يرÙض قطعياً تشويه ذهنه الØر منذ Ùجر التاريخ والتعاطي غير المشروط مع عقلية وقد أدرك, منذ اللØظة ألأولى , انها مهزومة. ÙŠØ´ÙŠØ Ø¹Ù† مجال رؤيته ويÙسقط من Ø¢Ùاقه تÙاصيل نشاز من أنتهك قدرته على الإØساس لشرخ وطننا ليØقق سلاماً جاهلاً أبجدياته .
 يØرس مملكة الشعر من دنس الإشتياط والعنتريات الجوÙاء Ùينطلق صوته الهادئ المنضوي على زوابع الغضب النبيل Ù…ØاÙظاً على قدرته ÙÙŠ التØليق المنتشي الدائم. وإذ ÙÙŠ تØليقه الهانئ يستذكر Ù†Ùسه” خلÙاً تلÙتّ /أين العطر والألق/أخترتَ دربك/أم سالت بك الطرقÙØŸ/عرائس السØر الشهباء دانيةٌ/والأÙÙ‚ بالصبوات البكر يأتلقÙ/عرائش الزهر,Øضن الطيب, Øانيةٌ/ وموسم الØب تياهٌ به العبقÙ/وللمواعيد خل٠الغيم سقسقةٌ/ وللجناØين توقٌ Ø¬Ø§Ù…Ø Ù†Ø²Ù‚Ù/ …”
يدعو الى الØب ,وهو ÙˆÙير ÙÙŠ ديوانه, بكل أنواعه: العذري , ألأخوي , البرئ وإلى عنÙوان ذلك الذي يثير شهوة الجسد والصيرورة.Â
بعد ان عيّن الشاعر وشخّص ثغرات خصمه ,وهذا قد جمّع بغباء ÙÙŠ Ù†ÙسÙÙ‡ إخÙاقات الÙكر والردم ÙÙŠ صقاع الأرض وهلّ علينا ليجد أسباب سلام, بهدوء وأمانة يستÙر ” أبو ألأمين ” Ù…Ùاتن جنانÙه٠الÙلسطينيه ,يوقظها ,يداعبها , ÙŠØركها ويدØرجها أبياتاً لبني البشر يدعوهم بها للتØليق.
منذ زمن ليس بعيد رØلت والدتي ولن تÙرش لي ” جنابية” ÙÙŠ جذع الزيتونة ورØÙ„ ” أبوي Ù…Øمد” لكن تراتيل “عرّا٠الكرمل” ,بسØرية Ùريده,لجمتْ عني شرور وكآبة الغربة والخÙاÙيش وأخذتني هناك Øيث تعلمت٠لغة الزيتون لتØليق Ùردوسي جديد لا ينضب.
* لجم الوØوش هو طقس كان يقوم به ” أبوي Ù…Øمد” ويكمن ÙÙŠ ترتيل , لا اعر٠مضمونه, على Øد سكين ويكÙÙ„ Øشر الØيوانات واالزواØÙ .Â
سان نازاريو –إيطاليا 27 ايار 2007
Post Views: 1,839