لـماذا نخشى الشعب؟ بقلـم/ مهند عبد الحميد

  حالنا لا يسّر صديقاً ولا يكيد عدواً، وأسوأ ما فيه التخندق والانقسام العمودي في صفوف الشعب والحركة السياسية. الخلاف سياسي بامتياز، لكنه ليس ذلك النوع من الاختلاف الذي يضع طرفاً مع الاحتلال وأميركا، وطرفاً مع الـمقاومة والاستقلال. فلو كان الخلاف بين احتلال ومقاومة أو حتى بين أميركا بوش، وإيران نجاد، لحسم شعبياً ولـما احتاجت قوى الـمقاومة إلى طويل وقت قبل أن تتربع على القيادة والسلطة وكل الـمواقع الأخرى بلا منافس.

كثير من أقلام النخب تدخل على الخط من موقع الانحياز لحماس باعتبارها في موقع الـمقاومة، في مواجهة منظمة التحرير، باعتبارها في موقع التفريط والاستسلام. كانت مقالة جوزيف سماحة في صحيفة (الأخبار) ـ التي أعادت (الأيام) نشرها يوم 17/12 ـ نموذجاً للتبسيط الشديد، فمن وجهة نظر الزميل سماحة، ثمة طرف خانع يقبل بالفتات وبأقل من فتات، وطرف يقاوم ويرفض، طرف فلسطيني يتماثل مع 14 آذار اللبنانية ـ الأميركية، وطرف آخر ثوري يتماثل مع حزب الله. 

لـماذا لا يتم إعطاء هذا الاتجاه (المستسلم) شيئاً إذاً؟ لـماذا جرى شطب ياسر عرفات، ومحاصرته حتى الـموت؟ لـماذا تعلن حكومات إسرائيل الـمتلاحقة عن عدم وجود شريك فلسطيني؟ السبب الحقيقي يا زميلي هو تمسك الـمنظمة بالبرنامج الوطني: دولة في حدود الرابع من حزيران عاصمتها القدس خالية من الاستيطان، وحل قضية اللاجئين على أساس قرار 194. وكان الـمجلس الوطني قد تسلح بالأساس القانوني للدولة وهو قرار 181 والتزم أيضاً بالقرارين 242 و 338 اللذين يدعوان إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية والفلسطينية الـمحتلة. لقد توحدت أكثرية الشعب الفلسطيني طوال ثلاثة عقود على هذا البرنامج. لـم يقل أحد إن هذا البرنامج فقد صلاحيته ولـم تقدم حماس برنامجاً آخر. حماس تقرّ بجوهر البرنامج كما جاء في برنامجها الانتخابي وعلى لسان قادتها، وكان آخرهم خالد مشعل رئيس الـمكتب السياسي الذي دعا لإقامة دولة في حدود 67. التمايز في برنامج حماس هو إقامة دولة لا تعترف بإسرائبل ولا بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. ولأن حماس تعرف أن إقامة دولة فلسطينية دون الاعتراف بإسرائيل غير ممكن دولياً وإسرائيلياً، فقد ابتدعت الهدنة طويلة الأمد، 15سنة إلى 50 سنة. والهدنة هي الاسم الحركي للاعتراف الواقعي. 

أين الخلاف إذاً؟ يقول البعض إن بعض القيادات تؤيد أقل من البرنامج الوطني ولديها استعداد للقبول بأدنى منه، ولكن لـماذا يتم القفز عن البرنامج الذي نجح على أساسه أبو مازن، ويتم القفز عن موقف مركزية فتح وموقف اللجنة التنفيذية للـمنظمة والتعامل مع الـموقف الـمتهافت للبعض باعتباره الـموقف الرسمي. لقد أدركت إسرائيل أن أي قائد فلسطيني أو اتجاه سياسي يخرج عن الثوابت الوطنية الـمعتمدة في البرنامج الوطني ينبذ ويعزل ويفقد نفوذه وقاعدته الشعبية. وهذا الإدراك الصحيح وقف خلف يأسها من إمكانية تصنيع قيادة مرتبطة “بمشروعها النيو أبرتهايد”. وهو الذي دفعها لوقف التفاوض وللقول لا يوجد شريك، ولهذا السبب يكتفي الرئيس بوش ووزيرة خارجيته بالأقوال الفارغة حول رؤية الدولتين، ويكتفي أولـمرت بامتداح الرئيس أبو مازن، وتكون النتيجة في الحالتين إضعافه شعبياً. تنافست حماس على نظام أوسلو الـمختلط (رئاسي Ù€ برلماني) وقواعد السلطة وفازت في الانتخابات، وانقلبت على تلك القواعد مرة واحدة. ثورياً، يجوز الانقلاب، ويحق شطب سلطة أوسلو والاستعاضة عنها بسلطة ثورية، وإلغاء الاتفاقات الـمذلة، ومعاقبة الفاسدين، والشروع بالتحرير من النهر إلى البحر. حماس لـم تفعل ذلك أبداً، فقد جاءت الى السلطة عبر صناديق الانتخاب وعلى قواعد أوسلو ولـم تأت بانقلاب ثوري. وجددت التزامها بالهدنة ووقف الـمقاومة في الضفة والقطاع، وتقلدت الحقائب الوزارية ذاتها (24) حقيبة، ولـم تفتح الدورة الأولى للـمجلس التشريعي الجديد بقيادتها ملفاً واحداً للفساد. واقتصر تمرد حماس على رفض الشرعيات الدولية والعربية والفلسطينية. وقد أدخلها هذا الرفض في تناقض حقيقي مع القطب الآخر في السلطة (الرئاسة والـمنظمة). فلا يجوز أن تحوز حماس على السلطة بطريقة ديمقراطية وتتنصل من القضايا المشتركة بطريقة غير ديمقراطية. تحتاج حماس إلى ثلثي أصوات المجلس التشريعي لإعادة النظر بالموقف من الشرعية الدولية والاتفاقات السابقة، وتحتاج إلى موافقة المجلس الوطني كمرجعية معتمدة نظامياً للسلطة. لم تلتزم حماس بالأسلوب الديمقراطي في التغيير وعملت ما يشبه الانقلاب. 

إذا انطلقنا من المبدأ الديمقراطي، لا يمكن تسمية التنصل من الشرعيات الثلاث موقفاً ديمقراطياً ونظامياً وقانونياً. قد يقول البعض إن الرباعية الدولية لـم تحترم الشرعية الدولية، وإن اسرائيل قوضت اتفاق أوسلو، وانتهكت الشرعية الدولية شر انتهاك، هذا صحيح، ولكن السؤال هو: هل من مصلحة الشعب الفلسطيني التنصل من الشرعيات وإهالة التراب عليها؟ يقودنا هذا السؤال إلى نظرية التغيير وفقاً للـمبدأ الثوري، حقيقة الأمر أن حماس لـم تسلك هذا الطريق إلا بالخطابة، فالطريق الثوري له استحقاقات ومقومات لـم تسعَ حماس إلى توفيرها بالحد الأدنى. كتأمين مستوى من الحماية والتحالفات والدعم الـمادي والسياسي للشعب الذي يتعرض للحصار والانتقام والدمار. لقد سعت حماس إلى تأمين الدعم لها كفصيل أو هكذا كانت نتيجة مساعيها، وتعرض الشعب لأبشع أنواع الحصار والعزلة، وكانت الذريعة هذه الـمرة، تنصل حماس من التزامات السلطة التي صعدت إليها، وافتقدت الأكثرية الساحقة من المجتمع لكل أنواع الأمن السياسي والاجتماعي والـمعيشي.  لقد دفعت المنظمة ومعها الشعب سابقاً ثمن عدم الاعتراف بالشرعيات، وما زالت حتى الآن تسعى لقبض الثمن من المجتمع الدولي وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة. أعادتنا حماس لطور دفع الثمن مرة أخرى مقابل ليس إنهاء الاحتلال بل مقابل نيلها الشرعية، وهذا يعيدنا ثلاثة عقود إلى الوراء. ويعني تأكيد انفصالها التاريخي عن الحركة الوطنية، واعتمادها مفهوم البديل السياسي. 

حماس التي يطيب لها الحديث عن الجانب الدستوري والقانوني انقلبت على النظام الفلسطيني والتزاماته، واستخدم الانقلاب كذريعة لتعطيل كل شيء من خلال حصار بشع وظالـم ومدان، وكانت النتيجة أزمة سياسية وانقساماً داخل الحركة الوطنية وفي صفوف الشعب. فلـماذا لا نحتكم أولاً إلى مراجع قانونية تضع النقاط على الحروف؟ ولـماذا لا نحتكم إلى الشعب مرة أخرى بعد وصولنا إلى حافة الحرب الأهلية وبعد كل الانسداد الذي وصلنا اليه؟؛ ليقول الشعب كلـمته في قضايا الخلاف عبر صناديق الاقتراع. لـماذا نخشى الشعب؟.

Check Also

Leader denies reports Hamas wants PLO alternative

CAIRO – A Hamas leader on Sunday played down reports that his group wanted to …