للخروج من المأزق: دعم عباس واستئناف العملية السلمية

بقلم / صالح القلاب

لا هو مبالغة ولا هو تغميس خارج الصحن أن توصف قمة العقبة الثنائية بين العاهل الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك، التي انعقدت يوم السبت الماضي، بأنها قمة محمود عباس (أبو مازن) فالقرارات، سواء التي أُعلنت أو التي بقيت سرية، جميعها تركزت على ضرورة دعم رئيس السلطة الوطنية وعدم تركه يواجه وحده المآزق الكثيرة التي يواجهها، وأهمها وأخطرها المأزق الداخلي الذي استجد بعد فوز حركة «حماس» بالانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة .

في هذه القمة، التي انعقدت بجدول أعمال مثقل، تطابقت وجهات النظر الأردنية مع وجهات النظر المصرية بأن محمود عباس (أبو مازن) غدا بعد تطورات الأعوام الأخيرة ورحيل ياسر عرفات، هو فرس الرهان في هذه المرحلة التاريخية والحاسمة وأن فشله سيحدث فراغاً مدمراً، وبخاصة أن بديله غير متوفر الآن لا في حركة «فتح» ولا في حركة المقاومة الإسلامية «حماس».

لقد انطلقت هذه القمة من ان المراهنة على تطوير مواقف «حماس» ومواقف حكومتها، بالنسبة لعملية السلام، لن تكون إلا فاشلة وعبثية فهذه الحركة، أي حركة المقاومة الإسلامية، وضعت نفسها في إطار الحلف الإقليمي الذي تقوده إيران والذي يعتقد، وهو يعمل على أساس هذا الاعتقاد، ان مصلحته تقتضي، على المدى المنظور على الأقل، ان يبقى المأزق الفلسطيني قائماً وأن تبقى عملية السلام عالقة وألا يكون هناك لا استقرار ولا هدوء في هذه المنطقة كلها ما دام ان المواجهة الإيرانية ـ الأميركية محتدمة وما دام ان سوريا تعتبر أن الحل على مسارها ليس هذا هو وقته ولا أوانه.

في قمة العقبة يوم السبت الماضي جرى استعراض خيارات حركة «حماس» وتم الاتفاق على ان الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة إسماعيل هنية ستبقى تدور في الحلقة المفرغة ذاتها التي بقيت تدور فيها منذ لحظة تشكيلها، وأنها ستواصل التلاعب بالألفاظ والمصطلحات وستبقى تناور وتقدِّم رِجْلاً وتؤخر أخرى لكنها بالنتيجة لن تتبنى لا برنامج منظمة التحرير ولا مبادرة السلام العربية.

ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن الأحاديث التي دارت على هامش هذه القمة بين بعض المسؤولين الأردنيين وبعض المسؤولين المصريين التقت عند نقطة واحدة في غاية الأهمية وهي ان الإسرائيليين غير منزعجين إطلاقاً من حكومة «حماس» وذلك على أساس ان رفضها لبرنامج منظمة التحرير ولعملية السلام وفقاً لاتفاقيات أوسلو وخارطة الطريق يعطي مصداقية لادعاءات إسرائيل بعدم وجود الشريك الفلسطيني الذي من الممكن التفاوض معه للتوصل الى الحل العادل والدائم لهذه القضية المعقدة .

والحقيقة، وهذا ربما ان قمة العقبة قد أخذته بعين الاعتبار، ان إسرائيل لم ترتح لأي حكومة فلسطينية منذ إبرام اتفاقيات أوسلو عام 1993 كما هي مرتاحة الآن لهذه الحكومة، فهي علاوة على أنها تعطي بمواقفها وسياساتها مصداقية للإدعاءات الإسرائيلية بعدم وجود الشريك الفلسطيني المفاوض فإنها برفضها التفاوض مع الإسرائيليين تبرر الحل الأحادي الجانب الذي يحاول أولميرت تطبيقه وهو حل هناك معلومات مؤكدة تقول ان حكومة إسماعيل هنية لا تعارضه بحجة أنه يعفيها من التعامل مع الإسرائيليين بالنسبة للعملية السلمية وبهذا فإن ما يسعد الإسرائيليين هو أن تبقى حكومة «حماس» تتمترس في هذا الخندق الذي تتمترس فيه فوقف إطلاق النار مستمر والهدنة غير المحددة قائمة والحل الأحادي الجانب متواصل وبناء الجدار العازل لم يتوقف وإدعاء عدم وجود الشريك الفلسطيني يحظى بمصداقية في العالم كله.

وبالطبع فقد جرى أيضاً على هامش هذه القمة حديث عن أن إصرار حكومة «حماس» على موقفها الرافض لمبادرة السلام العربية يضعها أمام خيارين فإما الاستقالة والعودة الى صفوف المعارضة وإما أن يمارس رئيس السلطة الوطنية صلاحياته المنصوص عليها في القانون الأساسي ويبادر الى حل المجلس التشريعي والدعوة لانتخابات جديدة قد تفرز نتيجتها معادلة غير هذه المعادلة وحكومة غير هذه الحكومة.

وبالمحصلة فقد اتفق الأردنيون والمصريون على ان المخرج الوحيد من هذا المأزق الذي يعيشه الوضع الفلسطيني هو إنعاش عملية السلام من جديد وهو تحشيد كل الجهود الدولية لإجبار الحكومة الإسرائيلية على العودة الى مائدة المفاوضات على اعتبار ان محمود عباس كرئيس للسلطة الوطنية وأيضاً كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية هو الشريك الذي يجب ان تعترف إسرائيل بوجوده وهو المفاوض الفلسطيني الذي من الممكن التوصل معه الى الحل المنشود.

والواضح، على هذا الصعيد، ان مسارعة حكومة «حماس»، التي ينطبق عليها المثل القائل: «إن حسابات البيدر جاءت مختلفة عن حسابات الحقل»، الى تأييد تولي الرئيس الفلسطيني مسؤولية استئناف عملية السلام مع الإسرائيليين تدل على أن هذه الحكومة بدأت تشعر بثقل المسؤولية وأنها غدت معنية بالبحث عن مخرج من هذا المأزق الذي تعيشه والتي وضعت الحالة الفلسطينية كلها فيه من خلال إصرارها على عدم التنازل عن مواقفها وسياساتها السابقة.

وبهذا فإن بصيص الضوء الذي أشعلته قمة العقبة الثنائية الأخيرة في نهاية النفق المظلم يجب ان يكون نقطة انطلاق لتحرك عربي فاعل لحمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وباقي الدول الفاعلة والمؤثرة للضغط على الحكومة الإسرائيلية وإجبارها على العودة الى طاولة المفاوضات والتوقف عن سياسات إسرائيل المدمرة والاعتراف بأن هناك شريكاً فلسطينياً هو محمود عباس (أبو مازن) وأنه لا بد من استئناف عملية السلام مع هذا الشريك والتوصل معه الى الحل المنشود على أساس خارطة الطريق.

لقد تقرر ان تعقد اللجنة الرباعية، المشكلة من وزراء خارجية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وممثل عن الأمم المتحدة، اجتماعاً جديداً في نيويورك يوم الثلاثاء المقبل في التاسع من هذا الشهر وسيحضر هذا الاجتماع، ولأول مرة، وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية والمفترض ان يكون هذا الاجتماع، الذي ينعقد بينما الشرق الأوسط يمر بفترة صعبة وفي غاية التعقيد ، محطة لانطلاقة فعلية وجدية للمباشرة بوضع خطة خارطة الطريق المعروفة موضع التنفيذ .

لا يجوز ان يستمر هذا الجمود وهناك هذه الأزمة الإيرانية – الأميركية التي قد تنفجر في أية لحظة وغير جائز ان يبقى الإسرائيليون يتصرفون وكأنه لا يوجد غيرهم في هذه المنطقة .. ثم وأن من يريد إبعاد الفلسطينيين عن حلف إيران الإقليمي عليه تقديم كل الدعم لرئيس السلطة الوطنية وعليه ألا يترك الشعب الفلسطيني فريسة لهذا الحلف الذي أوصل تنظيم «القاعدة» الى الساحة الفلسطينية .

إن اجتماع نيويورك الآنف الذكر، الذي سينعقد يوم الثلاثاء المقبل، في غاية الأهمية وان مشاركة وزراء خارجية ثلاث دول عربية، متضررة أولاً من جمود عملية السلام ومتضررة ثانياً من الحلف الإقليمي الإيراني، في هذا الاجتماع سيعطيه قوة دفع لتنتقل اللجنة الرباعية من دائرة البيانات والأقوال الى دائرة التنفيذ والأفعال فالوضع في غاية الخطورة بالفعل والمؤكد أنه إذا بقيت عملية السلام عالقة في عنق الزجاجة فإن المنطقة كلها ستبقى على شفير الهاوية وان الإرهاب سيبقى يجد البيئة الملائمة لمواصلة جرائمه.

إنه من غير الجائز ان تُتْرك هذه المنطقة الحساسة والتي ازدادت حساسية بعد الغزو الأمريكي للعراق وبعد تصاعد المواجهة الاميركية ـ الإيرانية على هذا النحو، تحت رحمة «حماس» من جهة وتحت رحمة إسرائيل من الجهة الأخرى، فالكل مهدد وباستثناء أطراف الحلف الإيراني فإن أيدي الجميع في النار وهذا يتطلب عدم إضاعة هذه الفرصة السانحة ويتطلب دعم محمود عباس (أبو مازن) الذي لم يبق رقم غيره يمكن التعاطي والتعامل معه في المعادلة الفلسطينية.

Check Also

Leader denies reports Hamas wants PLO alternative

CAIRO – A Hamas leader on Sunday played down reports that his group wanted to …