أثر الجدار العنصري التوسعي على المواطنين الفلسطينيين

أثر الجدار العنصري التوسعي على المواطنين الفلسطينيين

الآثار

الاجتماعية والاقتصادية، والصحية والتعليمية للجدار 

د. عبد الله الحوراني

 

يرتبط جدار الضم والتوسع الذي تواصل اسرائيل بناءه على مدار الساعة داخل الأراضي الفلسطينية، بجوهر السياسات الاسرائيلية العدوانية المعلنة، والقائمة أصلاً على تدمير عملية السلام، ومع نشوء دولة فلسطينية مستقلة، وبقدر ما تبرز التاثيرات الكارثية لهذا الجدار العنصري التوسعي على مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، فإنها تأخذ أبعاداً إنسانية أخرى..

ففي حزيران 2002 قررت حكومة إسرائيل العنصرية إقامة جدار فاصل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بهدف منع دخول الفلسطينيين من المحافظات الشمالية في الضفة الغربية إلى داخل فلسطين التاريخية “تجاوز الخط الأخضر” وقد قررت ايضاً أن يتم بناء جدار الفصل العنصري- والذي أطلق عليه أحياناً حسب المصادر الإسرائيلية العنصرية اسم “العائق” – يتم بناؤه حول كل الضفة الغربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث لا يحاذي مساره حدود الضفة الغربية مع إسرائيل، بل يمر داخل الأراضي المحتلة..

وفي حالة تطابق مسار الجدار مع حدود الرابع من حزيران، يتم إقامة جدار آخر ثانوي إضافي على بعد كيلو مترات من الأول شرقاً أي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا الجدار الملتوي والمزدوج أحياناً خلق واقعاً على شكل (حذوة حصان) تحيط بالقرى والمدن الفلسطينية من جميع الاتجاهات، الأمر الذي أدى إلى تقسيم العديد من القرى والمدن الفلسطينية، وحولها إلى جيوب منعزلة، وقطع أوصالها، واستولى على أراضيها الزراعية المحيطة بها، وعاث فساداً في مزروعاتها وممتلكاتها وبيوتها وطرقها، وتشير التقديرات الأولية إلى أن الجدار سيؤثر سلباً، وبشكل مباشر على حياة قرابة ربع مليون فلسطيني على الأقل يسكنون في 67 قرية وبلدة ومدينة..

ناهيك على أن سكان القرى المعزولة لا يستطيعون التحرك إلا بالحصول على تصاريح للمرور عبر بوابات معينة للوصول إلى أراضيهم، وهذا إقرار صريح من قوات الاحتلال بضم كافة الأراضي التي عزلت خلف الجدار، بعدم السماح للسكان بدخولها أو الإقامة فيها لغير الإسرائيليين إلا بتصاريح خاصة من القائد العسكري الإسرائيلي، بعبارة أخرى وأوضح: ضم للأراضي والاستيلاء عليها بالقوة لتهجير السكان الفلسطينيين من القرى المعزولة، وهذا يشمل إجراءات تعسفية، كإغلاق تام للبوابات، ومنع سيارات النقل من الدخول للأراضي الزراعية لاستغلالها، وتحديد سن المسموح لهم بالدخول من الرجال والنساء، والمضايقات المستمرة من جنود الاحتلال للمزارعين، وأعمال التنكيل والإهانة، والمداهمات الليلية، وعدم فتح البوابات في فترة المساء، وتحديد بوابة الدخول، وما لمشكلة التصاريح من اعتراف بشرعية الجدار والإستيلاء على الأراضي، وإعتبار الجدار هو خط التماس بدلاً من “الخط الأخضر”..

لقد دأب الاحتلال الإسرائيلي العنصري في تمرير مخططاته على اتباع أسلوب الخطوة خطوة، والبناء على التجربة، ففي نجاحه في تمرير قبول التصاريح من قبل المواطنين الفلسطينيين سيؤدي إلى إبعاد من لا يحمل تصريح، ومنع من لا يستطيع الحصول على تصريح من الدخول إلى أرضه، عدا عن قائمة الاستثناءات حتى يتم الفصل النهائي عن الأرض أو مكان الإقامة في المرحلة الأولى، والذي سيتم تطبيقه في المرحلة التالية على جميع القرى والمدن والبلدات إلى أن يجد شعبنا الفلسطيني قد تم حصاره في معازل عنصرية بلا أرض، ولا وطن، ولا سيادة..

وكما نلمس من سياسة إسرائيل العنصرية، ما تزال تصر على إزاحة الحدود السياسية في الضفة الغربية لعدة كيلومترات داخل الحدود إلى الشرق من “الخط الأخضر”ØŒ بحجج شتى منها الأمنية، لاستباق مفاوضات الحل النهائي وخلق سياسة الأمر الواقع، حيث يعتبر إنشاء هذا الجدار خطوة من تلك الخطوات العنصرية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية، حيث يشكل إنشاؤه تعدياً صارخاً على الحقوق الفلسطينية، كونه يؤدي إلى تقطيع أوصال التجمعات السكانية الفلسطينية بعضها عن بعض، ويخلق منها كنتونات غير متصلة، إضافة إلى أنه يفصل بين بعض السكان وأراضيهم ومصادر رزقهم ومصادرهم المائية، ويعمل على ضم اجزاء من الأراضي الفلسطينية إلى الكيان الإسرائيلي خلافاً للقوانين والشرائع الدولية، كما يقوم بضم بعض المستوطنات غير الشرعية المقامة على أراضي فلسطينية في الضفة الغربية..    

الآثار الاجتماعية:

من الآثار المباشرة لإقامة الجدار اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية وضمها إلى الجانب الإسرائيلي، معظم هذه الأراضي اسكانية، مأهولة بالسكان، مما سيؤثر على النسيج الاجتماعي للمجتمعات في الأراضي الفلسطينية، وخاصة على الفلسطينيين الذين سيعيشون غربي الجدار، حيث سيؤثر على علاقاتهم وأنشطتهم الاجتماعية، فقد أثبتت دراسة استقصائية صادرة من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني على القرى المتضررة من الجدار، أن 9,6% من الأسر المعيشية الموجودة غربي الجدار، لم تتمكن من زيارة أقاربها، مقابل 63,5% من الأسر المعيشية التي تعيش شرقي الجدار، فقد تضررت القدرة على ممارسة الأنشطة الاجتماعية والثقافية بالنسبة Ù„ 38,3% من الأسر المعيشية التي تعيش غربي الجدار والتي شملتها الدراسة Ùˆ 84,4% من الأسر المعيشية التي تعيش شرقي الجدار، فقد أصبح الجدار عقبة أمام الزواج بين أفراد يعيشون على جانبي الجدار بالنسبة Ù„ 50,4% من الذين شملتهم الدراسة الاستقصائية، حيث أصبح أفراد الأسرة معزولين بعضهم عن بعض، 50,9% يعيشون غربي الجدار مفصولين فعلاً عن أقاربهم، كما أصبح 37,3% من الذين يعيشون شرقي الجدار مفصولين عن أوقاتهم. “الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني” أثر جدار العزل على الظروف الاجتماعية والاقتصادية تشرين أول/2003 ص5″.

أضف إلى ذلك بأن قوات الاحتلال العنصري لا تمنح تصاريح لمتابعة العلاقات الأسرية، ورغم وجود علاقات قرابة أو زواج بين الأفراد من مختلف القرى على جانبي الجدار. وهي جزء من كلتا العائلتين المصغرتين، أو من كيانات أكبر، مثل عائلة (أسرة موسعة) أو “حمولة” (عشيرة). وقد أدى الجدار إلى فصل عدة مجتمعات عن أقاربها الذين كانوا قريبين منها في السابق. على سبيل المثال، معظم سكان خربة جبارة تعود أصولهم إلى قرية الراس. حيث رحل 250 شخصاً إلى مزارعهم القريبة في الفترة 1967/1972 ليزرعوا اراضيهم على نحو افضل. وفي السبعينات، اصبحت خربة جبارة قرية مستقلة ادارياً. بيد ان العلاقات الأسرية وعلاقات الزواج ظلت وثيقة. ولا يزال الناس في القريتين يعتبرون انفسهم ينتمون الى قرية واحدة، ولا يزالون يتقاسمون الموارد الاقتصادية، ويشكلون جزءاً لا يتجزأ من شبكة اجتماعية، حيث يدعم افراد الأسرة بعضهم بعضاً. ولم تقّسم القريتان جغرافياً الا بواسطة الجدار في الآونة الاخيرة وتقع خربة جبارة الآن في المنطقة المغلقة، ومنذ بناء الجدار، لا يستطيع أهل خربة جبارة الوصول الى الراس إلا من خلال بوابة تفتح مرتين في اليوم. ولا يسمح الا للمزارعين من سكان الراس بزيارة اراضيهم في المنطقة المغلقة بتصاريح، وان كانت هذه التصاريح غير دائمة ويمكن الا تجدد بصورة مستمرة. ولا يسمح لبقية سكان القرية من العبور الى خربة جبارة وزيارة اقاربهم.

نتيجة لبناء الجدار، اصبح عدد كبير من افراد الأسر معزولين بعضهم عن بعض، كما ان القرويين الذين كانوا تقليدياً يتزاوجون بعضهم من بعض لم يعودوا قادرين على ذلك. فلأهالي قرية نزلة عيسى، التي تقع الآن غربي الجدار، علاقات اجتماعية مع جميع القرى المجاورة ومع باقة الشرقية الواقعة على الخط الأخضر. وقد تزوج نحو 70 رجلاً من القرويين من نساء عبر الخط الاخضر،. ووفقاً للعادة السائدة، انتقلت معظم هؤلاء النسوة للعيش في الضفة الغربية مع اسر ازواجهن. والآن، بعد بناء الجدار، قام بعض الرجال باستئجار اماكن عبر الخط الاخضر ليعشوا هناك بعد اكتمال بناء الجدار. والنساء من باقة الشرقية، اللواتي تزوجن في اسرائيل، انتقلن جميعهن عبر الخط الاخضر، وقد اصبح من الصعب عليهم الآن العودة لزيارة اسرهن “مقابلة مع عضو المجلس القروي نزلة عيسى شهر 10/2003”.

ان اصول العديد من القرى الفلسطينية الصغيرة تعود الى بلدات اكبر في الضفة الغربية. ومع ان افرادها هاجروا في فترة ما من التاريخ، فانهم ما زالوا يحتفظون بعلاقات مع البلدة. وكثيراً ما يكون سكان مناطق بعيدة منحدرين من نفس الحمولة، وتقتضي المناسبات الدينية والاحتفالية، لا سيما حفلات الزواج ومراسم الجنازات حضور افراد الاسرة الموسعة، للتعبير عن احترامهم وتقديم مساهمة مالية في المناسبة، وهذه سمات مهمة في هذه المناسبات الاجتماعية. وهذه المناسبات الاجتماعية مهمة للغاية لاعادة تحديد النظام الاجتماعي لشعب ما باستمرار والتأكيد على هويته الواحدة، لا سيما في المجتمعات التي تكون فيها هيكل الدولة ضعيفاً، عدا على ان المجتمع الفلسطيني يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأرض والانشطة المتعلقة بالأرض. ومع زيادة مصادرة الأراضي لبناء الجدار، تقلصت الانشطة المتعلقة باستخدام الأرض. فعلى سبيل المثال، بالنسبة للقرى، لم يؤد قطف ثمار الزيتون تقليدياً دوراً متكاملاً في نشاط جني لقمة العيش فحسب، ولكنه عمل أيضاً على جمع أهل القرية أثناء قطف ثمار الزيتون والانشطة الثقافية المصاحبة. والقرى التي فقدت الأراضي الزراعية نتيجة لبناء الجدار لم تعد تشارك في هذه الانشطة.

ان لبناء الجدا أثر خاص على النساء وحركتهن، نظراً للعادات الاجتماعية المتعلقة بسفر المرأة(مثلاً، غير مقبول على نطاق واسع ان تسافر المرأة وحدها بعد حلول الظلام او ان تمضي الليل خارج البيت). وتواجه النساء المتزوجات خارج قراهن صعوبات متزايدة في زيارة اقاربهن، وبدأ يظهر اتجاه متنام بعدم السماح للمرأة ان تتزوج إلا رجلاً مقيماً في نفس الجانب من الجدار في القرى التي عزلها الجدار، وكذلك الاتجاه لتزويج الفتيات وهن صغيرات السن نتيجة القيود التي فرضها الجدار، ليتجنب الأب ارسال ابنته الى مدرسة او جامعة في ظل ظروف غير آمنة.

للجدار اثر نفسي ايضاً على الفلسطينيين الذين تضرروا منه، فقد اعرب كثيرون منهم عن شعور بفقدان الأمل لمستقبل قراهم. وتدل الدراسات الأولية على ان الآثار النفسية للجدار على المتضررين تتضمن الاكتئاب والشعور بالقلق والقنوط والشعور بالعزلة والتفكير في الانتحار واعراض الاضطراب النفسي الناتج عن الاجهاد بعد الصدمة. وقد نتجت هذه الآثار عن عدم وجود نظم دعم اجتماعية نتيجة للعزلة، والعلاقات الاجتماعية المحدودة، لأن الناس اصبحوا محصورين في بيوتهم، وتفكك الأسر والعلاقات الاجتماعية وزيادة البطالة والفقر “مركز الاستشارات النفسية الفلسطيني شهر 11/2003 ص6”.

مثال على ذلك:

ينحدر سكان راس الطيره وراس عطية من كفر ثلث وينتمون الى نفس الحمولة. والآن، يفصل الجدار القرويين من راس الطيره عن اقاربهم المقيمين قريباً منهم في راس عطية وفي قرى اخرى ذات صلة، مثل كفر ثلث. ويقول سكان راس الطيره انهم يشعرون بعزلة شديدة. ولا توجد سوى بوابة واحدة بعيدة تمكنهم من الوصول الى رأس عطية في حين ان اقاربهم من راس عطية لا يستطيعون العبور الى قريتهم..

الآثار الاقتصادية للجدار:

يحرم الجدار الفلسطينيين من مواردهم الاقتصادية ومن قدرتهم على استخدامها يكفاءة فالموارد الاقتصادية الفلسطينية، مثل الأراضي والمياه واليد العاملة والمهارات، تصادر لبناء الجدار او تظل معطلة نتيجة لتعذر الوصول الى الأرض ومكان العمل.

ان السوق الوطني الفلسطيني سيقسّم فعلياً الى مجموعة من الاسواق غير المتصلة نتيجة لجيوب معزولة غير متجاورة وستصبح القدرة على الاتجار بالخدمات والسلع او البحث عن وظائف في السوق الفلسطينية برمتها مسألة لا يمكن التنبؤ بها ومكلفة نتيجة لحرمان الناس والسلع من الحركة غير المقيدة، وسيعوق الجدار التنمية الاقتصادية الفلسطينية والتخطيط الاقتصادي الفلسطيني لان مسار الجدار يصادر ويعزل موارد الاقتصاد الفلسطيني ويجزيء السوق الفلسطينية. ويعتمد آلاف الفلسطينيين على الزراعة بوصفها مصدر رزقهم الرئيسي، لا سيما في المحافظات الشمالية من الضفة الغربية، حيث توجد نحو 40% من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية “تقرير فريق تنسيق المساعدات المحلية أيار/2003 ص43” ويحرم الجدار بالفعل الفلسطينيين من جزء من مصادر الرزق هذه من خلال مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة التي أتلفت بالفعل او اصبحت معزولة. وحتى لو طبق نظام البوابات الزراعية، فان زيادة الوقت اللازم للسفر وما ينطوي عليه من التكاليف ستؤديان الى زيادة تكاليف المعاملات زيادة كبيرة. كما أن الشكوك التي تحف بالمركز القانوني للأراضي في المستقبل لا يشجع على زراعتها ويمكن ان يؤدي حتى الى زيادة اسعار المنتجات الزراعية..

ومع تعذر الانتاج على نحو تنافسي وتعذر الوصول الى الاسواق الخارجية بأقل التكاليف، ستصبح السوق الفلسطينية، كما حدث في حقبة ما بعد 1967، رهينة للسوق الإسرائيلية المنافسة. وستصبح قدرة الصادرات الإسرائيلية على التنافس اكبر من قدرة السلع الفلسطينية، وسيصبح استيراد السلع الاجنبية أيسر من خلال وسطاء اسرائيليين. وسيجعل الواقع الاقتصادي الذي سينشأ خيار الانفصال عن اسرائيل وتنويع العلاقات في المستقبل صعباً للغاية.

ناهيك على أن عملية بناء المرحلة الأولى من الجدار، ستحدث إخلالاً بالخط الاخضر، صادرت اسرائيل اراضي فلسطينية ودمرت الموارد الاقتصادية الفلسطينية واعاقت وصول السلع والمركبات الفلسطينية والفلسطينيين عن الوصول الى المناطق الفلسطينية.

لقد فقد سكان 37 قرية من الضفة الغربية، يبلغ عدد سكانها 108,776 نسمة، أراضي لبناء الجدار، صودرت لإقامة الجدار اكثر من 124,323 دونما من الاراضي المملوكة للفلسطينيين ملكية خاصة، ومعظمها مزروعة اشجار فواكه ومحاصيل حقلية ودفيئات “الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني دراسة استقصائية/2003 ص7” كانت 26,623 دونماً مزروعة باشجار الزيتون Ùˆ 18,522 دونماً تزرع بالمحاصيل، وكانت 9,800 دونم تستخدم للرعي Ùˆ 8008 دونماً مزروعة بأشجار الحمضيات إضافة إلى ذلك جرى تجريف 21002 دونماً من الأراضي المملوكة ملكية خاصة.

اقتلعت اكثر من 100,000 شجرة (منها 83000 شجرة زيتون)ØŒ مما الحق ضرراً كبيراً لما يزيد على 2500 فدان من الاراضي، واكثر من 30,000 متر من شبكات الري، كما دمرت انابيب نقل المياه “لجنة الإغاثة الزراعية 2003 دراسة تقرير الاحتياجات” وفي عملية بناء المرحلة الأولى من الجدار، دمرت المرافق التجارية الواقعة في مسار الجدار أو بالقرب منه. فعلى سبيل المثال هدم نحو 200 دكان تشكل المركز التجاري الرئيسي في نزلة عيسى الواقعة في شمال الضفة الغربية، لبناء الجدار “فريق الرصد الفلسطيني أيلول/2003”.

لقد تلاشت الموارد الاقتصادية التي لم تهدم أو تدمر لبناء الجدار نتيجة لتعذر الوصول إليها فوصول المزارعين الى الأراضي الزراعية التي يملكونها أو يزرعونها الواقعة خارج السور اصبح مشكلة نظراً للقيود على التصاريح ولصعوبة الحصول على التصاريح للسيارات الزراعية. ويفصل الجدار أيضاً المواطنين عن 50 بئر مياه جوفية يعتمدون عليها للحصول على مياه الشرب وللزراعة. “تقريرالرصد الفلسطيني السابق” اضافة الى ذلك، نظراً لأن انشطة الرعي تقتضي الوصول باستمرار الى الأراضي، نفقت الماشية بسبب القيود على الوصول الى الأراضي.

قبل بناء الجدار، كانت الاسواق المحلية تعتمد اعتماداً كبيراً على المستهلكين الإسرائيليين الذين كانوا يشترون السلع والخدمات الرخيصة من الأرض الفلسطينية المحتلة، وقد جعل بناء المرحلة الأولى من الجدار هذه المسألة مستحيلة. وبدأ استخدام النقل باسلوب “من مؤخرة شاحنة الى أخرى” المكلف والمرهق لنقل السلع بين المناطق الواقعة خارج الجدار والمناطق الواقعة داخله.

إن الفلسطينيين، الذين يعيشون الآن خارج الجدار يواجهون صعوبة في الوصول الى سوق العمالة، وصعوبة اكبر الوصول الى سوق الوظائف الموجودة الآن خارج الجدار لانهم يحتاجون الى تصاريح للدخول الى المناطق المغلقة او الخروج منها. وقد قام على الاقل 23,6% من الذين يعيشون غربي الجدار، ولا يوجد في الأسرة المعيشية سوى فرد واحد مستخدم، بتغيير عملهم كلياً (النشاط ومكان العمل) مقارنة بنسة 21,7% Ù… الذين يعيشون شرقي الجدار. “الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني الدراسة الاستقصائية كانون الأول/2003 ص5”.

لقد أدى بناء الجدار الى أربعة عواقب اقتصادية رئيسية هي:

فقدان الموارد الاقتصادية: عمليات المصادرة الدائمة للموارد الاقتصادية او اتلاف الموارد الاقتصادية او تعذر استخدام الموارد الاقتصادي- ادت جميعها الى فقدان دائم للموارد الاقتصادية.

ضياع الاستثمار المحتمل: ادت الشكوك التي تحف بمستقبل المناطق الواقعة خارج الجدار الى تناقص فرص الاستثمار الاقتصادي. وتشكل الشكوك معضلات خاصة للمنتجين الزراعيين، فلا يدرون ان كانوا سيزرعون على الاطلاق، ومشاكل في اختيار المحاصيل التي سيزرعونها، ومستوى الاستثمار في الزراعة، ويضر فقدان الاستثمار المحتمل بالمناطق الواقعة خارج الجدار نتيجة لتعذر الوصول اليها ولزيادة خطورة تدميرها، وكذلك بالنسبة للمناطق التي لا تزال داخل الجدار، حيث انها اصبحت جيوباً معزولة دون أية امكانية للرخاء الاقتصادي. وحتى لو اراد مستثمر ان يستثمر في المنطقة المغلقة، فان القيود الإسرائيلية ستجعل هذا الاستثمار مستحيلاً من الناحية العملية.

زيادة تكاليف صفقات الخضار والفواكه: نظراً لصعوبة او عدم وصول الناس (بحاجة لتصاريح والمرور من خلال البوابات) والسلع (بحاجة الى نقلها من شاحنة الى اخرى اثناء الشحن) اصبحت تكاليف النقل والانتاج/الزراعية تزداد وفقاً لمتوالية هندسية.

ارتفاع معدل البطالة: ادت المرحلة الأولى من بناء الجدار الى زيادة معدلات البطالة في المناطق الفلسطينية، خارج الجدار وداخله على حد سواء.

ادت العواقب الاقتصادية المذكورة أعلاه، المترتبة على الجدار وعلى السياسات المصاحبة له، مجتمعه الى حرمان الفلسطينيين من قدرتهم على استخدام اصولهم الاقتصادية، وتحديد سياساتهم الاقتصادية وتسبب في زيادة الفقر لدى السكان.

معطيات تفصيلية نشرها مركز المعلومات الاسرائيلية لحقوق الإنسان:

نشر مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بيتسليم” معطيات تفصيلية حول الجدار الفاصل مدعومة بخريطة أعدها بناء على هذه المعطيات” صحيفة القدس في 7/11/2003 ص17″.

وفي ما يلي ما نشره هذا المركز عن الجدار:

* أكثر من ربع مليون فلسطيني سيعزلون داخل جيوب غربي وشرقي الجدار الرئيسي.

* سيفصل الجدار حوالي 200,000 فلسطيني القاطنين في شرقي القدس، عن باقي قرى وبلدات الضفة الشرقية.

* أكثر من 100 قرية وبلدة فلسطينية سيتم فصلها عن أراضيها الزراعية.

* حوالي 16% من مساحة الضفة الغربية سيتم حصره بواسطة الجدران.

* سيتم فصل السكان القاطنين في 71 قرى وبلدات فلسطينية، عن أراضيهم الزراعية.

سيمس الجدار الفاصل مسّاً صارخاً بحقوق الإنسان لمئات الآلاف من الفلسطينيين. إن الإجراءات الصارمة المفروضة والانتهاك الصارخ لحريتهم بالحركة والتنقل ستؤدي إلى صعوبة وصولهم إلى أماكن عملهم، وللمراكز الطبية والمرافق التعليمية.

الجدار الفاصل: ملخص المعطيات حول الجدار الفاصل

مقطع من الجدار *

الطول (كيلو متر)

المرحلة

سالم-الكانا (المرحلة الأولى)

125

صودق عليه، انتهى بناؤه تقريباً

سالم-تياسير (المرحلة الثانية)

45

صودق عليه، قيد البناء

الكانا-عوفر (المرحلة الثالثة)

141

صودق عليه، لكن لم يبدأ بناؤه بعد

هار جيلو-الكرمل (المرحلة الرابعة)

114

صودق عليه ولكن لم يبدأ بناؤه بعد

“غلاف القدس”

50

صودق وانتهى البناء في جزء منه بينما الجزء الآخر قيد البناء

المجموع

475

 * لا يشمل الجدران الثانوية غربي وشرقي الجدار الأساسي.

المجتمع الفلسطيني المتأثر من الجدار

 

المكان

عدد القرى والبلدات

عدد السكان

النسبة من مجموع عدد سكان الضفة الغربية

جيوب غربي الجدار الأساسي

53

15,500

5%

جيوب شرقي الجدار الأساسي **

28

147,700

6,4%

شرقي القدس

القرى والبلدات المحاذية للجانب الشرقي للجدار

* 23

102

210,000

*** 402,400

9,1%

17,5%

المجموع

206

875,600

38%

* أحياء فلسطينية على حدود البلدية لمدينة القدس.

** يشمل القرى والبلدات المحاطة بالجدار الفاصل الأساسي (قلقيلية مثلاً) وتلك المحاطة بجدار ثان (طولكرم مثلاً).

*** مجموع عدد السكان في القرى والبلدات التي جزء من أراضيها بقيت غربي الجدار.

المستوطنات الموجودة غربي الجدار الأساسي

 

عدد المستوطنات

عدد السكان

النسبة من مجموع عدد المستوطنين

في الضفة الغربية (لا يشمل القدس)

في شرقي القدس

54

12

28,000

176,000

35,6%

44,1%

المجموع

66

318,000

79,9%

مساحة المناطق المتضررة من الجدار

 

مكان الأراضي

مساحة دونم

النسبة من مجموع مساحة الضفة الغربية

المساحة التي صودرت لإقامة الجدار

28,000

0,5%

المساحة المحصورة ما بين الجدار والخط الأخضر*

740,000

13,2%

المساحة داخل الجيوب شرقي الجدار الأساسي

105,000

1,9%

المجموع

915,000

16,3%

* يشمل المساحة في هذا المكان غالباً الأراضي داخل الجدران الثانوية (الداخلية) ولكن لا يشمل شرقي القدس.

** يشمل المساحة المحاطة بالجدار (قلقيلية مثلاً) والمساحة المحاطة بجدار ثان (طولكرم مثلاً).

الآثار الصحية للجدار:

لقد اعاق بناء الجدار الوصول الى المرافق الصحية في القرى التي يحيط بها الجدار، لا سيما بالنسبة للذين يعيشون بين الجدار والخط الاخضر، ويهدد بالحاق مزيد من الاضرار بالخدمات الصحية. وادى هذا الى زيادة تردي مستوى الخدمات الصحية المتردية اصلاً نتيجة لزيادة القيود على الحركة وعمليات الاغلاق العسكرية التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الانتفاضة الحالية.

بعد بناء الجدار، سيجب على 80,1% من السكان الموجودين غربي الجدار Ùˆ 48,3% من السكان الموجودين شرقي الجدار ان يقطعوا مسافة تزيد بواقع 4 كيلومترات على المسافة التي كان يجب عليهم ان يقطعوها للوصول الى اقرب مستشفى. اضافة الى ذلك سيشكل الجدار عقبة امام الوصول الضروري الى الخدمات الصحية بالنسبة لـ 73,7% من الأسر المعيشية الموجودة غربي الجدار Ùˆ 38,6% من الأسر المعيشية الموجودة شرقي الجدار “الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني تشرين الأول/2003” حيث تستند الاحصاءات الى دراسة استقصائية اـ 890 أسرة معيشية تعيش في قرى فلسطينية يمر عبرها الجدار. وكانت 195 أسرة من هذه الأسر تعيش غربي جدار العزل Ùˆ 695 أسرة تعيش شرقية.

تفتقر 9 قرى من بين القرى ال 15 الموجودة في المنطقة المعزولة غربي الجدار لأي مرفق طبي وتعتمد على العاملين في مجال العناية الصحية المتجولين للحصول على الخدمات الطبية. وقد جعل الجدار هذا التجول والوصول مستحيلاً تقريباً بحيث لا يتمكن العاملين في مجال الخدمات الصحية من الوصول الى هذه المناطق بنفس التواتر السابق، إذا كان الوصول ممكناً على الاطلاق، وذلك نتيجة لزيادة الوقت اللازم للسفر وزيادة تكاليف التنقل، واوقات فتح بوابات الجدار غير المنتظمة. فعلى سبيل المثال اصبح الآن حصول سكان عزون العتمة، وهي قرية يبلغ عدد سكانه 1500 نسمة وتقع شرقي الجدار، على العناية الصحية من العاملين في مجال الخدمات الصحية المتجولين اقل تواتراً ØŒ كما انهم لا يستطيعون الذهاب الى قلقيلية للحصول على خدمات الطواريء، وللاطلاع على تفاصيل دراسات الحالة، انظر تقرير “لجنة تنسيق المساعدات المحلية، اثر حاجز العزل الإسرائيلي على القرى المتضررة في الضفة الغربية 4/ايار/مايو2003 ص41”. ولتوفر قرى متضررة عديدة اخرى في الشمال لخدمات الوقاية الأساسية وخدمات العناية الأولية، إذ تعتمد على ثلاث مدن رئيسة (قلقيلية،وطولكرم وجنين) للحصول على العناية الطبية المتخصصة وعناية الطواريء ولعمليات غسيل الكلى المنتظمة وعمليات المعالجة بالعقاقير الكيميائية المنتظمة. من بين هذه القرى ام الريحان وخربة عبد الله اليونس وخربة الشيخ سعد وخربة ظهر المالح ونزلة ابو نار وخربة جبارة وراس الطيرة وخربة الضبعة وعرب الرماضين الجنوبي. “مكتب الامم المتحدة لتنسيق المساعدة الانسانية تقرير الحالة الشهري: جدار الضفة الغربية تموز/يوليه 2003ØŒ ص4” وقد جعل بناء الجدار في الجنوب لا سيما داخل القدس الشرقية المحتلة وحولها (غلاف القدس) الوصول الى المرافق الصحية مشكلة بالنسبة للسكان الفلسطينيين المقيمين خارج الجدار. وسيكون هذا هو الحال بالنسبة للضفة الغربية باسرها اذا تسبب الجدار في الحد من الوصول الى مستشفيات القدس الشرقية التي تقدم الخدمات الطبية المتخصصة غير المتوفرة في اي مكان آخر في الضفة الغربية على سبيل المثال، مستشفى اوغستا فكتوريا هو المستشفى الوحيد في الضفة الغربية الذي يوفر غسيل الكلى. كما ان مستشفى المقاصد هو المستشفى الوحيد الذي يوفر معالجة متخصصة لأمراض القلب.

لقد تعرضت الخدمات الصحية الوقائية المعتادة للاضعاف بالفعل بسبب القيود الحالية على الحركة، تعرضت لمزيد من الاعاقة نتيجة لتعذر وصول السكان الى المرافق الطبية. فعلى سبيل المثال، تقول وكالة الامم لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الادنى ان نسبة النساء اللواتي يتلقين عناية بعد الولادة انخفضت بنسبة 52% فقبل الانتفاضة، كانت 95% من النساء يلدن في المستشفيات. وانخفضت هذه النسبة بمقدار 50% في بعض المناطق، وتوجد على الاقل 39 حالة موثقة وضعت فيها نساء اطفالهن على الحواجز. اضافة الى ذلك، تأخرت برامج التطعيم المنتظمة ومع ذلك استمرت بعض برامج التطعيم من خلال بذل جهود كبيرة “تقرير لجنة تنسيق المساعدات ص 42”.

بدون وصول الى المرافق الصحية، يصبح السكان اكثر عرضة للمشاكل الصحية والامراض التي تنقلها المياه وارتفاع معدلات وفيات الاطفال الرضع وقلة خدمات الطواريء وقد اصبحت العناية الطارئة السريعة والفعالة غير متوفرة بصورة متزايدة الا اذا قدمتها المستشفيات الإسرائيلية. والاستمرار في بناء الجدار لا بد ان يفاقم هذه المشاكل ومشاكل اخرى ويؤخر وصول المستوصفات الطبية المتنقلة وسيارات الاسعاف وتوزيع امدادات الادوية واللقاحات. وستزيد ايضاً الضغط على مقدمي الخدمات الصحية العامة بزيادة المسافات بين المرافق والموظفين والوارد، وستزيد العبء والتكلفة على مراكز الصحة القروية.

ان النظافة الصحية موضع قلق كبير ايضاً بالنسبة للقرى المجاورة للجدار من الجانبين. فالعديد من هذه القرى يستخدم خدمات شحن تقوم بصورة منتظمة بنضح المجاري وجمع القمامة من مرافق تجميع محلية. وقد منع الجدار سيارات الشحن من الوصول الى بعض القرى وزاد من تكاليف عمل ذلك بالنسبة للقرى الاخرى، مما يزيد من خطورة الامراض الناتجة عن النفايات في هذه القرى. وقد تأثرت القرى الصغيرة، مثل ظهر المالح في محافظة جنين، بشكل خاص بالقيود على الوصول التي تضر بادارة النفايات. ومنذ ان ابتدأ بناء الجدار، لم تتمكن قرى عديدة تقع على طول مسار الجدار من التخلص من نفاياتها لأنها لا تستطيع الوصول الى مكبات القمامة الموجودة خارج حدود البلديات “نفس التقرير”.

آثار الجدار على التعليم

لقد اضر بناء الجدار، وما صاحبه من عزل وقيود، بالوصول الى الجامعات والمدارس ومراكز التعليم. ففي محافظات طولكرم وقلقيلية وجنين، اضر الجدار بصورة مباشرة بـ 7400 طالب، في حين يواجه الآن 150 معلماً على الاقل في محافظة طولكرم صعوبة كبيرة في الوصول الى مدارسهم. والمشاكل في محافظة قلقيلية حادة بشكل خاص بسبب نقطة التفتيش الوحيدة في مدينة قلقيلية وتعرّج مسار الجدار فيها. وقد لحقت اضرار مادية بمرافق التعليم وتضررت المباني الواقعة قرب مسار الجدار، ومنعت السلطات الاسرائيلية المدارس الاخرى من توسيع مبانيها لتخفيف حدة الازدحام “المرجع السابق ص40”.

وفي منطقة طولكرم، حيث يوجد أكبر عدد من القرى التي يحيط بها الجدار، قدر مسؤولو وزارة التربية والتعليم الفلسطينية انه ضاع على الاقل شهر من السنة الدراسية 2003/2004 اثناء عام 2003 فقط، نتيجة لحالات منع التجول وفرض قيود على الحركة من اجل التجريف او الاعمال المصاحبة لبناء الجدار، ويواجه حالياً نحو 650 مدرساً صعوبة في الوصول الى صفوفهم. اضافة الى ذلك ستؤثر زيادة تفشي الفقر المصاحب للجدار على قدرة الطالب على الالتحاق بالمدارس، حيث ستصبح الأسر بصورة متزايدة غير قادرة على دفع رسوم المدارس.

توجد عدة قرى بين الجدار والخط الاخضر لا توجد فيها مدارس ابتدائية او مدارس ثانوية، مما يضطر الطلاب الى عبور الجدار للوصول الى صفوفهم ونتيجة لحالات التأخير على نقاط العبور واغلاق البوابات، يشكل الوصول الى التعليم الآن مشكلة بالنسبة لهؤلاء الطلاب. ففي قرية الراس يجب على 44 طالباً من 172 طالباً في المدرسة الابتدائية ان يعبروا الجدار كل صباح آتين من قريتهم، يذهب 46 طالباً آخر من خربة جبارة الى المدرسة الثانوية في كفر صور. واثناء حالات الاغلاق او الاعياد الاسرائيلية، لا تفتح البوابات ولا يتمكن هؤلاء الطلاب من الذهاب الى صفوفهم. وفي الايام الاخرى يتأخر المرور عبر البوابات، لمدة ساعات احياناً “تقرير لجنة تنسيق المساعدات المحلية ص 13″ØŒ اضافة الى ذلك يحتاج الطلاب والمدرسون الى تصاريح لعبور بوابات الجدار. وعملية اصدار التصاريح ليست منهجية حتى الآن، فقد حصل المدرسون في بعض القرى او المناطق على تصاريح لعبور بوابات الجدار للوصل الى مدارسهم، في حين لم يحصل آخرون على تصاريح وهذا هو حال طلاب المدارس ايضاً.     

لعبت الصعوبات المتزايدة التي يواجهها المدرسون والطلاب في الوصول الى المدارس والجامعات بسبب الجدار دوراً هاماً في تدهور عملية التعليم. ويستفاد من دراسة استقصائية اجراها مكتب الاحصاءات المركزي الفلسطيني مؤخراً، أن 13,9% من الأسر المعيشية الموجودة شرقي الجدار، ويوجد فيها فرد واحد على الاقل ملتحق بمدرسة او جامعة، واجه ابناؤها صعوبات في الوصول الى مدارسهم/جامعاتهم، في حين ان 29,4% من الأسر المماثلة الموجودة غربي الجدار واجهت صعوبات متزايدة. وتعرض عمل المدارس ايضاً للانقطاع بسبب تعذر وصول المدريبن الى المدارس، حيث واجه 45,3% من المدرسين الموجودين شرقي الجدار Ùˆ 74,6% من المدرسين الموجودين غربي الجدار صعوبات في الوصول الى المدارس، اضافة الى ذلك تعرضت للتقييد حركة 86,5% من الطالبات اللواتي يعشن غربي الجدار في خروجهن من القرى التي يقمن فيها وعودتهن اليها، بينما قيدت حركة 77,4% من الطالبات اللواتي يعشن شرقي الجدار “الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني الدراسة الاستقصائية Ùƒ1/2003”.

لم يقّيم بعد مقدار الأثر النفسي على الطلاب الذين يجب عليهم عبور بوابات الجدار او الالتحاق بصفوفهم في مدارس في مناطق قريبة من الجدار. ونظراً الى زيادة الوقت اللازم للوصول الى غرف الدراسة واحياناً صعوبة الطرق التي يجب سلوكها، وازدحام غرف الصفوف الدراسية نتيجة للقيود على الوصول، فان قدرة الطالب على التركيز والتعلم يمكن ان تنخفض انخفاضاً كبيراً. كما ان الخضوع اليومي للعسكريين على الطريق الى المدرسة، وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر محتملة تتعلق بالسلامة، سيكون له دون شك اثر طويل الاجل على طلاب المدارس الفلسطينيين.

ناهيك على ان الطلاب الراغبين في مواصلة الدراسة بعد المرحلة الثانوية سيواجهون قيوداً شديدة على قدرتهم على الالتحاق بالجامعات والكليات مع فرض نظام التصارح والقيود على السفر المصاحبة للجدار. وسيحد هذا  ايضاً من مجالات الدراسة المتوفرة للطلاب بعد المرحلة الثانوية. فمواضيع مثل القانون والطب، على سبيل المثال، لا تتوفر الا في عدد صغير من الجامعات.

آثار الجدار عل التراث الثقافي:

التراث الثقافي عنصر من عناصر الهوية الثقافية للمجتمع الفلسطيني وجزء لا يتجزأ من التراث الانساني. ويفصل الجدار مئات مواقع التراث الاثري والثقافي عن المجتمعات في الارض الفلسطينية المحتلة. بما في ذلك القدس الشرقية. فضلاً عن ذلك، لم تنفذ سوى عمليات انقاذ قليلة في عملية بناء الجدار، مما يدل على انه لم تجر اية عملية تقييم سليمة، قبل بناء الجدار، للأضرار التي يمكن ان تلحق بالبيئة والمواقع الاثرية.

اثناء المرحلة الاولى من بناء الجدار، ادخل نحو 230 موقعاً رئيسياً داخل المنطقة المغلقة، بالاضافة 1751 موقعاً صغيراً ومعلماً تراثياً ثقافياً، مثل الكهوف والقبور والمقابر والصوامع والابراج واماكن صنع الخمور ومعاصر العنب  كما ذكر “د. حمدان طه التعدي على الآثار /2003 ص1” وقد احاط الجدار أيضاً ببعض اهم المواقع الطبيعية الهامة، بما في ذلك حرش ام الريحان، الواقع جنوبي جنين.

في الجزء الجنوبي من الضفة الغربية، ستصبح مناطق واسعة، تضم مناطق اثرية غربي الجدار. ففي رام الله وحدها، سيصبح نحو 500 موقع غربي الجدار. اضافة الى ذلك فان مسار الجدار الشرقي المقترح على طول غور الاردن سيضع اكثر من 1000 موقع اثري موجودة في الجزء الشرقي من الضفة الغربية، التي ستصبح باستثناء منطة اريحا، تحت السيطرة الاسرائيلية.

في منطقة بيت لحم هدم او ضم الى المستوطنات المجاورة عدد كبير من المواقع الاثرية في قريتي الخضر وحسان تشمل هذه: خربة حمودة وخربة قديس وخربة الكنيسة وخربة دير باغل، وينابيع المياه القديمة مثل عين الكلبة وعين قديس وعين الطاقة وعين الكنيسة، بالاضافة الى كهوف القديس وكهوف ظهر المتارسة. ومن المواقع الاثرية الاخرى خربة الدير وخربة العايد وخربة فراش وعين فارس وعين المسايح وعين ابو زيد وعين الفقيه وعين ابو كليبة ضمت الى مستوطنة “بيطار أليات”. وضمت ايضاً مواقع اخرى في قرية الجبعة ووادي فوكين الى المستوطنة المجاورة. كما دمرت تماماً المواقع الاثرية في خربة الخماصة. ودمر بالفعل عدد من المواقع الاثرية نتيجة لبناء الجدار، من بينها موقع اثري بيزنطي، في تشرين الاول/اكتوبر2003 اثناء بناء الجدار في القدس الشرقية المحتلة، تقع خربة صالح شرقي بلدة ابو ديس في القدس، وتوجد فيها آثار دير بيزنطي . واثناء بناء الجدار ارسلت الجرافات الى المنطقة لبدء العمل دون تنسيق مع سلطة الآثار الاسرائيلية. وجرى هدم جزء كبير من الموقع وتسويته، نتج عن ذلك ضرر لا يمكن اصلاحه قبل ان توقف سلطة الآثار الاسرائيلية العمل. ولم يعط وقت كاف لعلماء الآثار لانهاء العمل في الموقع وبعد ثلاثة اسابيع سوّي الموقع بالارض واكتمل بناء الجدار فوق الموقع.

الجدار ينتهك الحق في حرية الحركة:

ان القيود العملية على حرية الحركة الناشئة عن الجدار هي، بايجاز كما يلي:

– المنع المادي للحركة داخل الارض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية بالجدار، وفي الحالات البالغة القسوة باحاطة بلدات بالجدار وجعلها جيوباً مقفلة.

– فرض تحويلات وتأخيرات طويلة بلا مبرر على الحركة داخل الارض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

– منع تعسفي ويصعب التكهن به للمرور عبر البوابات في الجدار، مما يعزل الناس والارض والممتلكات خارج الجدار عمّا في داخله.

– فرض قيود على حركة الفلسطينيين في المنطقة المحيط بالجدار على نحو تمييزي ومهين.

ان الحق في حرية الحركة تؤمنه المواثيق الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن:

– لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل اقليم دولة ما، له حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان اقامته.

– لكل فرد مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده.

– لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة اعلاه بأية قيود سوى تلك المنصوص عليها بالقانون، وتكون لازمة لحماية الامن او النظام العام او الصحة العامة او الآداب العامة او حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الاخرى المعترف بها في هذا العهد.

– لا يحرم احد تعسفاً من حق الدخول الى بلده.

اصبحت التغييرات القانونية والقيود المفروضة على السكنى والتحركات، على مقربة من الجدار، تؤدي بالفعل الى تغيير حقيقي في التكوين الديمغرافي للارض الفلسطينية المحتلة، لا من حيث عدد سكان المستوطنات غير المشروعة فحسب، بل وفيما يتصل بالفلسطينيين ايضاً. وفي قلقيلية على سبيل المثال ذكر ان نحو 600 محل تجاري ومشروع قد اغلقت نتيجة لبناء الجدار، وأن ما بين 6000 و 8000 شخص قد غادروا المنطقة ايضاً. وفي مواجهة الخيار بين البقاء في بلدة محصورة بالجدار، ربما تتطلب الاقامة فيها تصاريح، بل وربما يحتاج عبور الجدار كل يوم للعمل او تحصيل العلم او العناية الطبية الى اذونات، وبين الرحيل الى مكان آخر، ليس مثيراً للدهشة ان ترد من مناطق خارج الجدار، ادلة متزايدة على تشريد واسع النطاق لسكان الارض الفلسطينية المحتلة.

واذا اضيف الى ذلك ان اعداداً آخذة في الازدياد من الاشخاص ينتقلون الى المستوطنات غير المشروعة، اتضحت فداحة التغيير في التكوين الديمغرافي للارض الفلسطينية المحتلة. وهذا واحد من اخطر الآثار المترتبة على الجدار، لأنه يغير بصورة غير قانونية الوقائع على الارض، بطريقة لا طاقة بفلسطين على منعها وسيكون من الصعب جداً عكس اتجاهها. انه ضم بحكم الامر الواقع للمساحات الواقعة خارج الجدار، مع تشريد للسكان من كل ارجاء الارض الفلسطينية المحتلة.

ومن الجلي ان نظام الجدار يتجاوز “اضيق الحدود التي يتطلبها الوضع” وهذا واضح من مساره ومن ممارسة السلطات الاسرائيلية في تشغيل نقاط التحكم عند الجدار، ويبلغ انتهاك حرية الحركة اقسى درجاته في المدن المحاطة كلياً بالجدار، مثل قلقيلية وحواجز الطرق الاسرائيلية، فقد اصبحت هذه جيوباً معزولة ومقطوعة عن بقية الارض الفلسطينية المحتلة سواء داخل الجدار او خارجه.

واذا اضيف ايضاً الاستيلاء على المنازل الفلسطينية في القدس.. والغاء بطاقات الهوية لمواطني القدس الشرقية، ورفض ضرائب مصطنعة فادحة بهدف ارغام المواطنين الفلسطينيين في القدس الذين لا طاقة لهم على دفع هذه الضرائب الباهظة على مغادرة ديارهم والخروج من مدينتهم، مما يمهد السبيل الى تهويد القدس.

وتبين هذه البيانات الجانبين الأساسيين للسياسة في القدس وفيما حولها. اما الجانب الاول فهو البناء النشط الواسع النطاق للطرق والمستوطنات عبر القدس الشرقية المحتلة وحولها بهدف انشاء هياكل اساسية غير قابلة للتجزئة من الطرق التي تربط بين المستوطنات الاسرائيلية المفضلة التي تحيط بالجزء الشرقي من المدينة واسرائيل. واما الجانب الثاني فينطوي على التدابير المتخذة للحد من النمو الديمغرافي الفلسطيني الطبيعي واخراج الفلسطينيين قسراً من المدينة.

يوجد في القدس الشرقية حالياً مجموعة من نقاط التفتيش والحواجز المؤقتة التي اقيمت حولها منذ عام 1990، تحول دون وصول الفلسطينيين من الضفة الغربية الى المدينة. وبالحد من حق الفلسطينيين في الوصول الى القدس الشرقية المحتلة تزيد الحكومة الاسرائيلية من تعزيز دمج المدينة في اسرائيل. كما انها تنقل الحدود السابقة (الخط الاخضر) بحكم الامر الواقع من حيث كانت قبل الاحتلال الى الحد الخارجي للمدينة الموحدة كما تقرره مجموعة نقاط التفتيش والحواجز المؤقتة التي وضعتها اسرائيل على مشارف القدس الشرقية وفي عمق الضفة الغربية.

عندما يكون الهدف هو الحد من النمو الديمغرافي لسكان منطقة ما، يوضع حد لحق القرية أو البلدة في التطور مكانياً، ويتحقق هذا عادة عن طريق خطط ولوائح تنظيم. وما برحت اسرائيل تستخدم هذه الممارسات ضد الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية منذ الأيام الولى للاحتلال. وحيثما يتسنى باي حال من الاحوال الحصول على ترخيص للبناء، تقوم السلطات الاسرائيلية بتضخيم تكلفة هذه التراخيص لزيادة ردع التوسع الفلسطيني. وتصل تكاليف تصاريح البناء في القدس الشرقية الى ما يزيد 25000 دولار بالمقارنة بمبلغ 6000 الى 10000 في الضفة الغربية، مما يجعل البناء “القانوني” في القدس باهظ التكلفة لمعظم الفلسطينيين. “تقرير الآثار القانونية لبناء الجدار ص56”.

وعلاوة على ذلك فان نظام الجدار، يفرض على الفلسطينيين قيوداً ليست مفروضة على المواطنين الاسرائيليين او الاشخاص الذين يحتمل ان تحق لهم الجنسية الاسرائيلية. وهذا الجانب التمييزي من القيود المفروضة على الحركة في الارض الفلسطينية المحتلة كان موضع انتقاد في اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى قبل البدء ببناء الجدار. فقد لاحظت اللجنة بقلق ان هذه القيود لا تنطبق الا على الفلسطينيين لا على المواطنين الاسرائليين اليهود، وهذا ليس معناه ان القيود ستكون مشروعة لو طبقت على الفلسطينيين والاسرائليين على قدم المساواة، ان القيود هذه غير مشروعة لانها غير لازمة وغير متناسبة. وجانبها التمييزي، الذي يمتد عبر مجال واسع يشمل حقوق الاقامة وحيازة الاراضي، يفاقم خطورة انتهاك الحقوق التي يضمنها القانون الدولي، والاتفاقات الدولية.

بالاضافة الى الحاجة الغلابة الى اثبات الضرورة المطلقة لفرض قيود جديدة على السكان، يجب على سلطة الاحتلال في اعتمادها وتطبيقها تلك التدابير ان تعامل الشعب بدون اي تمييز ضار مستند بصورة خاصة الى العنصر او الدين او الآراء السياسية ويجب ان تكفل للشعب حياة عادية قدر الامكان.

هذه المتطلبات المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الرابعة، تنتهكها اسرائيل بشكل رتيب ببنائها للجدار وتشغيله.

ان القيود المفروضة على الحركة تؤدي الى انتهاكات لحقوق اساسية اخرى يحميها القانون الدولي، وابرزها الحقوق في كسب الرزق، وفي الحصول على الاغذية، وفي الوصول الى مراكز العناية الطبية والتعليم، وفي الحياة الاسرية، والحق في تقرير المصير. ولاحظ هذه النتائج الكاسحة المترتبة على تقييد الحركة “المقرر الخاص للجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان” المعني بموضوع الحق في الغذاء الذي ذكر في تشرين الاول/اكتوبر2003 ان:

“ان المستوى غير المسبوق من القيود المفروضة على تحركات الفلسطينيين لا يؤدي الى حرمانهم من حرية التنقل داخل الاراضي المحتلة فحسب، يل ويؤدي ايضاً الى حرمانهم من التمتع بحقهم في الغذاء. والازمة الانسانية ناتجة عن قيام قوات الاحتلال العسكرية بفرض حظر التجول على نطاق واسع واغلاق الطرق واتباع نظام التصاريح ونقاط التفتيش الامنية ونظام تفريغ الشاحنات ظهراً لظهر، الذي يتطلب تفريغ البضائع من معظم الشاحنات على احد جانبي نقطة من نقاط التفتيش واعادة تحميلها على الجانب الآخر، وتخلص الدراسة التي مولتها وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة الى ان “اندلاع الانتفاضة في ايلول/سبتمبر2000 وما تلا ذلك من غارات عسكرية شنتها اسرائيل وحالات اغلاق الطرق وحظر التجول قد خربت الاقتصاد الفلسطيني وقوّضت تلك النظم التي يعتمد عليها السكان المدنيون الفلسطينيون في تلبية احتياجاتهم الاساسية، بما فيها احتياجاتهم الغذائية والصحية” ويتفق البنك الدولي على ان “السبب المباشر للأزمة الاقتصادية الفلسطينية هو اغلاق الطرق”. وتعني القيود المفروضة على التنقل عدم استطاعة العديد من الفلسطينيين كسب لقمة عيشهم: إذ أنهم لا يستطيعون الذهاب الى عملهم او حصاد حقولهم او الذهاب لشراء الغذاء. ويؤدي عدم قدرة الكثير من الفلسطينيين على اعالة اسرهم الى فقدان كرامتهم كبشر، وغالباً ما يتفاقم الامر نظراً لما يتعرضون له من مضايقات عند نقاط التفتيش. “وثيقة الامم المتحدة 30/تشرين الاول/2003 فقرة 11”.

الجدار ينتهك الحق في كسب الرزق:

ان تأثير الجدار على المجتمعات المحلية في الارض الفلسطينية المحتلة، وبصورة خاصة تأثيره الاقتصادي، هو موضوع سلسلة متواصلة من الدراسات تعرف عامة باسم تقارير البنك الدولي اجريت بتكليف من جماعة المانحين الدوليين (عن طريق فريق سياسة المساعدات الانسانية وحالات الطواريء المؤلف من رئاسة الاتحاد الاوروبي، والمفوضية الاوروبية، وحكومة النرويح، وحكومة الولايات المتحدة، واليونسكو والبنك الدولي)، اضافة الى صندوق النقد الدولي.

الصورة التي تبرز من هذه التقارير هي ذاتها التي تبرز من تقارير اخرى مقدمة الى هيئات الامم المتحدة. ان الجدار يفصل المالكين الفلسطينيين عن الاراضي التي يملكونها ويفلحونها. وحتى لو قيّض للمالكين انفسهم الوصول الى اراضيهم، فإن الاعتناء بها وحصاد محاصيلها يقتضي في جميع الاوقات تقريباً ان يتاح لعمال آخرين وللموردين سبيل للوصول الى تلك الاراضي ولكن الجدار يعوق ذلك. وفي بعض الحالات، يمنع الجدار الماء من الوصول الى المحاصيل او الحيوانات. وكل هذه الآثار تقوّض قدرة الفلسطينيين على كسب رزقهم. والوصول الى المحاصيل ثم وصول المحاصيل الى الاسواق ليس أمراً لا أهمية للوقت فيه. ذلك ان الضرر الذي تتسبب فيه التأخيرات ربما لا يكون قابلاً للعلاج. وذكر المقرر الخاص المعني بموضوع الغذاء ان:

“الرحلات التي كانت تستغرق دقائق قليلة قد تستغرق الآن عدة ساعات او ايام.. ويجري التحكم بحركة البضائع عن طريق نظام تفريغ الشاحنات ظهراً لظهر. ووجود العديد من نقاط التفتيش، يؤدي الى زيادة تكاليف نقل المنتجات الغذائية والزراعية بقدر كبير. ويمكن عند نقاط التفتيش رفض السماح بمرور المنتجات الزراعية وغيرها من الاغذية لأيام دون ابداء الاسباب. وشاهد المقرر الخاص في مختلف نقاط التفتيش الموجودة في الضفة الغربية تعفن حمولات الشاحنات من الفواكه والخضروات وهي معرضة لاشعة الشمس”.

القيود على الحركة في الارض الفلسطينية المحتلة تعمل على تحطيم الاقتصاد الفلسطيني. وستصبح هذه القيود الآن دائمة بالجدار الجاري بناؤه عبر الارض الفلسطينية المحتلة. وهي تؤثر في كل قطاعات الاقتصاد. فاذا لم يحصل العمال على اجور فلن يكون لديهم نقود ينفقونها في حوانيت توظّف عمالا آخرين وكل هذه تعتمد على العاملين في قطاع الخدمات والقطاعات الاخرى من الاقتصاد. ولكن هذه الآثار واسعة النطاق وليست مجرد آثار غير مباشرة، كل الشعب الفلسطيني في الارض الفلسطينية المحتلة يواجه بصورة مباشرة صعوبة في السفر من والى اماكن العمل وفي العثور على عمل، الا اذا بقي الناس قريبين من منازلهم.

ان الاطراف في الاتفاقية الدولية الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما فيها اسرائيل، ملزمة بالاعتراف بحق جميع الافراد في كسب رزقهم. وتنص المادة 6 من الاتفاقية على ما يلي:

ان تعترف الدول الاطراف في هذا الاتفاقية بالحق في العمل، الذي يشمل ما كلل شخص من حق في ان تتاح له امكانية لكسب رزقه بعمل يختاره او يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق.

يسمح للدول الاطراف في الاتفاقية بان تخضع الحقوق المنصوص عليها في العهد لحدود مقررة في القانون ولكن فقط بمقدار توافق ذلك مع طبيعة هذه الحقوق وشريطة ان يكون هدفها الوحيد تعزيز الرفاه العام في مجتمع ديمقراطي “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المادة4”.

لقد حد الجدار بشكل خطير من حقوق الحركة داخل الارض الفلسطينية المحتلة. وتدافع فلسطين بانه يقع على اسرائيل، بوصفها دولة طرفاً في الاتفاقية، التزام بعدم اعتماد قوانين او سياسات او ممارسات تراجعية تعوق او تعرقل ممارسة الحقوق بموجب الاتفاقية. وحين يُمنع الافراد من كسب رزقهم بقيود مادية او قانونية لا يمكن تبريرها بانها ردود متناسبة على تهديد للنظام العام (او لحقوق افراد آخرين)، يُنتهك الحق في كسب الرزق.

الجدار ينتهك الحقوق الاساسية في الرفاه:

هناك عدة حقوق يمكن جمعها معاً تحت عنوان “الحقوق في الرفاه” من الملائم تناولها معاً. وهذه هي الحق في الغذاء والحق في الوصول الى العناية الطبية، والحق في الحصول على التعليم:-

لقد اشرنا الى اثر الجدار في منع الانتاج الزراعي والتجارة. كما اشرنا الى تقييدات الحركة التي تجعل من الصعب او المستحيل كسب المال لشراء الاغذية بل وحتى السفر الى بلدات مجاورة لشراء الاغذية. كما ان الاستيلاء على الاراضي الزراعية ومصادرتها لبناء الجدار عليها الحق في الغذاء. ويؤثر الجدار بطرق مختلفة تأثيراً بالغاً على قدرة الشعب الفلسطيني على تأمين لقمة عيشه.

ويذكر تقرير قدم الى لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان في 31 تشرين الاول/اكتوبر2003 ان اكثر من 22% من الاطفال الفلسطينيين دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية وان نحو 15,6% ممن هم دون سن الخامسة عشرة يعانون من حالات فقر دم حادة. وقد هبط استهلاك الاغذية بنسبة 25 الى 30% للفرد، كما ان اكثر من نصف الاسر المعيشية الفلسطينية تتناول وجبة واحدة فقد في اليوم “تقرير زيفلر فقرة 16” ويذكر التقرير ذاته أنه:

“..نحو 280 مجتمعاً ريفياً في الارض الفلسطينية المحتلة.. لا تتوفر لها سبل الحصول على مياه الآبار او المياه الجارية والتي تعتمد اعتماداً كلياً على المياه التي تزودها صهاريج البلدية والصهاريج الخاصة التي يتعين عليها شراؤها عادة من شركة المياه الاسرائيلية، (ميكوروت) وازدادت اسعار هذه المياه بنسبة تصل الى 80 في المائة منذ ايلول/سبتمبر2000 نتيجة لزيادة تكاليف نقلها بسبب اغلاق الطرق. ولم تعد نوعية معظم المياه التي تنقلها الصهاريج تستوفي معايير مياه الشرب التي حددتها منظمة الصحة العالمية.

ولا تعزى كل هذه الآثار الى الجدار، اذا ان بعضها ناشيء على القيود على الحركة في أماكن اخرى من الارض الفلسطينية المحتلة. ولكنها توضح ماهية آثار القيود على الحركة، والجدار يعمل على تدعيم هذه القيود في بناء يقسم الارض الفلسطينية المحتلة الى عدة جيوب على نحو مطلق واكثر دواماً من اية تدابير سابقة اتخذتها الحكومة الاسرائيلية.

ان على اسرائيل واجباً قانونياً، بوصفها سلطة الاحتلال، بان تكفل امدادات الاغذية والمياه لسكان الارض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، باقصى حدود الموارد المتاحة لها “اتفاقية جنيف الرابعة مادة 55”.

وقد خلص مقرر الامم المتحدة الخاص المعني. بموضوع الحق في الغذاء الى ان اسرائيل تنتهك هذا الالتزام:

“تقع على حكومة اسرائيل، بوصفها سلطة الاحتلال، التزامات تقضي بضمان حق الشعب الفلسطيني في الغذاء. ويعتقد المقرر الخاص ان الاجراءات التي تعكف قوات الاحتلال على اتخاذها حالياً في الاراضي الفلسطينية المحتلة تنتهك الحق في الغذاء..

ولا بد من وضع حد فوراً للسور الامني الجديد/جدار الفصل العنصري الذي يعمل على “حبس” مجتمعات معينة حبساً فعلياً، مثل قلقيلية “تقرير زيلفر 58ØŒ59”.

اما آثار الجدار في منع الطلاب والمعلمين من الوصول الى اماكن التعليم فقد تم عرضها وفي العديد من التقارير التي يضمها ملف الامين العام للامم المتحدة كما اشير الى الآثار المترتبة على تقييد الحركة في منع سيارات الاسعاف والمرضى من الوصول الى المستشفيات والمراكز الطبية، ومنع الموظفين الطبيين من الوصول الى المرضى.

وعليه فان الجدار ينتهك الحقوق في الغذاء والماء وفي التعليم وفي العناية الطبية. وهذه حقوق ينبغي ان يتمتع بها كل الفلسطينيين، وهي مكفولة بتشديد خاص للاطفال في اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي من اطرافها اسرائيل.

وعلاوة على ذلك، تتنافى هذه الآثار مع الالتزامات التي تحملتها اسرائيل بموجب الاتفاقات الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق الرفاه التي يرسخها تلك الاتفاقيات ليست مطلقة، بمعنى ان كل دولة طرف في الاتفاقية ملزمة بتأمين تلك الحقوق كاملة لكل فرد. الا ان هذه الحقوق تقدمية، وقد شرحت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للامم المتحدة انه يقع على كل دولة طرف:

“..التزام أساسي أدنى بأن تؤمن، على اقل القليل، تلبية المستويات الاساسية الدنيا لكل من هذه الحقوق.. وعليه، فان أي دولة طرف، على سبيل المثال، يكون فيها عدد هام من الافراد محروماً من الموارد الغذائية الاساسية او من العناية الصحية الاولية الاساسية او من الملجأ والاسكان البسيط، او من أبسط اشكال التعليم، هي دولة لا تفي بالتزاماتها بموجب الاتفاقية “اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.

وتدافع فلسطين بان على الدول الاطراف التزاماً بعدم اعتماد قوانين او سياسات او ممارسات تخالف اغراض الاتفاقية وانه حين يمنع الافراد من الحصول على الغذاء والوصول الى التعليم والمرافق الطبية بواسطة قيود مادية او قانونية لا مبرر لها كردود متناسبة على خطر يتهدد النظام العام (او حقوق فرد آخر) تُنتهك الحقوق في الحصول على الغذاء والوصول الى التعليم والعناية الصحية. وهي تدافع بان سلوك اسرائيل ينتهك هذه الحقوق ايضاً.

الجدار ينتهك الحق في الحياة الأسرية:

قد يبدو الحق في الحياة الأسرية أقل أهمية بالمقارنة بحق حرية الحركة والحق في كسب الرزق والحق في الرفاه. ولكن هذا الامر غير صحيح. ذلك ان انتهاك الحق في الحياة الاسرية قادر على تدمير المجتمعات على صعيد الأسرة والقرية والبلد، او المدينة والامة.

والحق في الحياة الأسرية مؤكد في العديد من الصكوك الدولية. مثال ذلك ان المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينص على ان:

“لا يجوز تعويض اي شخص على نحو تعسفي او غير قانوني لتدخل في خصوصياته او شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير مشروعة تمس بشرفه وسمعته “اتفاقية حقوق الطفل، مادة 23”.

الجدار يجعل من الصعب او المستحيل على الأسر، والتي هي الوحدة الرئيسية للرعاية الاجتماعية في الارض الفلسطينية المحتلة، ان تواصل اداء وظيفتها. فهو يعوق الزيارات للعناية بالمرضى او العجزة من الآباء او الاطفال، او للاعتناء باطفال الأبوين العاملين. كما انه يعوق الاتصالات الاجتماعية والزواج وبناء الاسر. وانتهاك الحق في الحياة الاسرية يضعف اساس المجتمع الفلسطيني في الارض الفلسطينية المحتلة.

الجدار شكل من اشكال العقاب الجماعي:

ان الجدار يضرب المصالح الفلسطينية بطريقة تصل الى صميم جوهرها. فهو يطعن الحق في الكرامة لكل فرد فلسطيني “الاعلان العالمي لحقوق الانسان” والتي تعلن: يولد جميع الناس احراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الاخاء وتذكر ديباجة الاعلان بان “الاقرار بما لجميع اعضاء الاسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم”. والاثر المقعد والسريع الانتشار لحرمان المرء من الكرامة في وطنه، وخاصة في ظروف تتسم بتمييز قانوني سافر لمصلحة المستوطنات المدنية غير الشرعية، هو الاثر الاصعب تحمله من بين كل الاهانات والصعوبات التي يتعرض لها الفلسطينيون عنوة.

وهذه الصعوبات تفرض، لا على اولئك الذين قاموا بهجمات او الذين يشتبه في تخطيطهم لهجمات، بل على كل السكان غير الاسرائيليين في الارض الفلسطينية المحتلة، ووجود الجدار يجعل الحياة في الارض الفلسطينية المحتلة غير مأمونة وغير مستقرة. بل انه يعطل الحياة ويجعل السفر مسافات قصيرة يعتمد على مزاج الجنود الشباب المسلحين الذين يتمركزون في نقاط التفتيش.

ان جميع الانتهاكات الموجزة أعلاه تؤثر على السكان الفلسطينيين في الارض الفلسطينية المحتلة عموماً. وآثارها ليست مقتصرة علىالمعتمدين المعروفين او موجهة اليهم، انها تدابير تخويف وعقاب جماعية للسكان جميعاً. وهذا يتنافى مع المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على ان “تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد او الارهاب”ØŒ ومع المادة 75 من البروتوكول الاضافي الاول، الذي يمثل في هذا الخصوص عل الاقل القانون العرفي الدولي.

وقد توصل الى هذه النتيجة نفسها، فيما يتعلق بالقيود على الحركة في الارض الفلسطينية المحتلة بصورة عامة، المقرر الخاص للجنة حقوق الانسان الذي ذكر في تقيره أن:

“نقاط التفتيش تقسم الضفة الغربية الى مرقعة من الكنتونات.  ومنذ آذار/مارس2002 اصبحت التصاريح مطلوبة للسفر من منطقة الى اخرى.. وهذه التدابير لم تمنع تحركات المناضلين بين مختلف المدن او المناطق او بين فلسطين واسرائيل. وهي لا تحمي المستوطنات التي تتمتع بالفعل بحماية جيدة من جيش الدفاع الاسرائيلي. وبدلا من ذلك، تقيد نقاط التفتيش الداخلية للتجارة داخل الارض الفلسطينية المحتلة وتحد من سفر كل السكان من قرية الى قرية ومن بلدة الى بلدة. ولذلك يجب اعتبارها شكلاً من أشكال العقاب الجماعي “تقرير دورغارد آب/2003”.

الجدار ينتهك حقوق الملكية للفلسطينيين:

ان كل انتهاكات القانون الدولي التي نوقشت حتى الآن انتهاكات عامة، بمعنى انها تمس سكان الارض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، بكاملهم وثمة فئة اخرى من الانتهاكات التي تمس مجموعة معينة من الفلسطينيين: الانتهاكات لحقوق الملكية.

لقد تم شرح ما ادى، ولا يزال يؤدي اليه بناء الجدار من استيلاء على الممتلكات وتدميرها. ويتم الاستيلاء على الممتلكات ليس فقط للجدار ذاته بل وللحزام الامني المجاور له وكذلك لاقامة مواقع المرافق الداعمة.

والحق في التمتع السلمي بالممتلكات واحد من اثبت الحقوق الراسخة في فقه قانون حقوق الانسان الدولي. وهو معترف به على سبيل المثال، وفي المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وفي القانون الانساني الدولي تولي حماية لهذا الحق في الظروف الخاصة للاحتلال العسكري بالاحكام بشأن وضع اليد على الممتلكات وتدميرها “المادة 17″ لوائح لاهاي لكل شخص الحق في ان يملك الممتلكات وحدة وبالاشتراك مع آخرين، (2) لا يحرم اي شخص بشكل تعسفي من ممتلكاته”.

ومن حيث قيام اسرائيل بمجرد تدمير الممتلكات باستعمال الجرافات لتدمير الحقول واقتلاع البساتين مثلاً، فان هذا اجراء غير مشروع لكونه تدميراً متعمداً لا تستلزمه العمليات العسكرية، انتهاكاً للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة.

وحيث تستولي اسرائيل على الممتلكات الفلسطينية او تضع اليد عليها، يكون الانتهاك ذا طابع مختلف. وينبع انعدام المشروعية فيه من عيبين في وضع اليد اولهما. كما اوضح اعلاه، انه يفتقر الى اي تبرير كاجراء ضروري لتلبية حاجات الجيش الاسرائيلي. وهو يتنافى مع المادة 52 من لوائح لاهاي لعام 1907. وهذا الحكم يطبق المبدأ الاوسع، الوارد في المادة 55 من لوائح لاهاي، وهو ان السلطة المحتلة هي مجرد مديرة للاقليم المحتل ومنتفهة به.

وثانيهما، انه غير مشروع ايضاً في حالات عديدة انه ينتهك الحقوق الاجرائية البسيطة للمالكين. ذلك ان اخطارات وضع اليد لا يجري تبليغها بالضرورة الى المالكين. اذ قد تثبت على الاشجار او الاعمدة في مكان ما من الممتلكات. واما اجراء الاستئناف فيتطلب امتثالاً لشكليات باهظة التكاليف ومرهقة، وذكر في الآونة الاخيرة ان “كل استئناف ضد وضع اليد على الاراضي (وعددها بالمئات) قدم الى لجنة الطعون العسكرية قد رفض”. وكذلك الحال مع كل طلبات رفع الظلم التي قدمت الى المحكمة الاسرائيلية العليا. وعملية الاستيلاء تنتهك الحقوق الاجرائية البسيطة الراسخة رسوخاً ثابتاً في القانون الدولي. وهي عمليات غير مشروعة لمصادرة الممتلكات ولا تتاح اي سبل انتصاف فعالة لمن تنتهك حقوقهم.

علاوة على ذلك فان الاثر المترتب على الجدار، كما سبق ولوحظ، في منع المالكين من استعمال ممتلكاتهم يشكل فئة اخرى من الانتهاكات لحقوق الملكية. وتشمل الامثلة التي سبقت بالتفصيل على هذه الحالات التي اجبر فيها، المالكون على بيع ممتلكاتهم، لم يعودوا قادرين على زيارة ممتلكاتهم بتواتر كاف لصيانتها والمحافظة على حيوية انتاجها.

الجدار ينتهك حق تقرير المصير:

ان بناء الجدار يشكل انتهاكاً خطيراً لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. وكما تبين التطورات المذكورة أعلاه، فإن الجدار يضر بممارسة الشعب الفلسطيني للحق في تقرير المصير، من حيث أن الجدار يمر عبر الخط الأخضر ويجري بناؤه في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك في القدس وحولها، فإنه يقطع المجال الإقليمي الذي يحق للشعب الفلسطيني أن يمارس عليه حقه في تقرير المصير. وبنفس القدر، فإن الجدار يشكل أيضاً انتهاكاً للمبدأ القانوني الذي يحظر اكتساب الأراضي بالقوة.

إن الطريق الذي سيسلكه الجدار مصمم بهدف تغيير التكوين الديمغرافي للأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، عن طريق تعزيز المستوطنات الإسرائيلية الاستعمارية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتيسير التوسع فيها بما يشكل تجاهلاً لحقيقة أن هذه المستوطنات هي نفسها مستوطنات غير مشروعة بموجب القانون الدولي.

إن الجدار، بما ينجم عنه من إنشاء جيوب فلسطينة، وتمييز ضد السكان الفلسطينيين بالمقارنة بالمستوطنين الإسرائيليين، وظروف اقتصادية لا تحتمل، له تأثيره الواضح والمتوقع الذي سيؤدي إلى الإبعاد القسري للسكان الفلسطينيين إلى مناطق محدودة بصورة متزايدة باعتبارها مأمونة ويمكن للفلسطينيين أن يعيشوا فيها. إن المقصود ببناء الجدار هو تقليص وتجزئة المجال الإقليمي الذي يحق للشعب الفلسطيني غير متلاصقة شبيهة بالبانتوستانات التي يحظرها القانون الدولي.

يشكل الجدار انتهاكاً لحق الشعب الفلسطيني في السيادة الدائمة على موارده الطبيعية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ويدمر الأساس الاقتصادي والاجتماعي لحياة الشعب الفلسطيني.

يعرض الجدار للخطر إمكانية إقامة دولة للشعب الفلسطيني تتمتع بمقومات البقاء، وبالتالي فهو يقوض المفاوضات التي ستجري في المستقبل بشأن مبدأ “وجود دولتين”.

الجدار سيؤدي إلى قطع المجال الإقليمي الذي يحق للشعب الفلسطيني أن يمارس عليه حقه في تقرير المصير، ويشكل انتهاكاً للمبدأ القانوني الذي يحظر اكتساب الأراضي بالقوة.  

القرى التي يعزلها الجدار حالياً:

القرى التي يعزل الجدار أراضيها خلفه أو يعزلها بأكملها تطالب قوات الاحتلال مواطنيها بالحصول على تصاريح للمرور عبر بوابات معينة للوصول الى أراضيهم. وياتي ذلك للأمر العسكري الذي أصدرته قوات الاحتلال بخصوص وضع الأراضي التي عزلها الجدار في المرحلة الأولى التي أعلن عن الانتهاء منها وما تلاه من إصدار تصاريح للقرى المعزولة خلف الجدار للبقاء في قراهم وكذلك التصاريح التي أصدرت للمزارعين في القرى الواقعة خلف الجدار للوصول الى مزارعهم خلف الجدار فان حملة مقاومة جدار الفصل العنصري ترى أن ما ورد في الأمر العسكري رقم (387، 5730_197 ) الصادر بتاريخ 2/10/2003 تحت عنوان الاعلان عن اغلاق منطقة التماس رقم 03/2/س هو إقرار صريح من قوات الاحتلال الاسرائيلي بضم الاراضي التي عزلت خلف الجدار الى اسرائيل. وذلك بعدم السماح بدخولها أو, الاقامة بها لغير الاسرائليين الا بتصاريح خاصة تصدر عن القائد العسكري الاسرائيلي .

هذا الامر بحد ذاته هو ضم للاراضي واستيلاء عليها بالقوة وهو بداية لسلسلة إجراءات لتهجير السكان الفلسطينيين من القرى التي عزلها الجدار والبالغ عددها 16 قرية وتجمعاً سكانياً يقطنها 11550 نسمة استناداً الى أمر الاغلاق الوارد في البند الأول صدر أمر آخر بنفس التاريخ تحت عنوان أوامر الترتيبات العسكرية/ تصريح عام للدخول الى منطقة التماس أو الاقامة فيها حيث ورد فيها تحت بند الشروط رقم 3 أن القائد العسكري ربما يصدر أمراً بأن، التصريح لا ينطبق على شخص أو أشخاص للدخول الى منطقة التماس. من الواضح أن ذلك يفتح امكانية وضع قائمة من الاستثناءات ستؤدي الى: طرد جزء من السكان في القرى المعزولة والذين سبق وأن اعتقلوا بالاضافة الى عدم اعطاء تصاريح دخول للعديد من سكان القرى الواقعة شرق الجدار للدخول الى أراضيهم خلف الجدار.

كل ذلك بالاضافة الى ما تقوم به اسرائيل حالياً من اجراءات تعسفية على البوابات والتي تتمثل بـ:

·                                                  اغلاق تام للبوابات لاسباب مختلفة ومتعددة.

·                                                  منع سيارات النقل من الدخول الى الاراضي الزراعية

·                                                  تحديد سن المسموح لهم بالدخول من الرجال والنساء

·                                                  تحديد وقت لفتح البوابات لا يتناسب وحاجة المزارعين أو طلاب المدارس.

·                                                  المضايقات المستمرة من جنود الاحتلال للمزارعين وأعمال التتنكيل والاهانة اليومية .

·                                                  المداهمات الليلية للعديد من القرى المحاصرة وكذلك المزارعين الذين يبيتون في مزارعهم .

·                                                  عدم فتح البوابات مساء للمزارعين مما يضطرهم الى المبيت في العراء نساء ورجالاً واطفالاً وشيوخاً .

·                 كما لا يسمح لحامل التصريح سوى بالدخول من بوابة معينة فقط كما يؤكد المواطنون على أن التصاريح تشكل اعترافاً بشرعية الجدار والاستيلاء على الاراضي، وتجدر الاشارة الى أن أحد البنود التي تضعها سلطات الاحتلال بالنسبة للشروط للحصول على التصاريح تؤكد أن التصريح لا يثبت ملكية أو, حقاً لحامله في الاقامة الدائمة في المنطقة التي يحمل التصريح اليها والتي هي في حالة القرى المعزولة مكان الاقامة الدائمة لمواطني هذه القرى وفي حالة الاراضي المعزولة أراض تعود ملكيتها لمواطنين من القرى التي عزلت أراضيها.

من الواضح تماماً أن، هذه الاجراءات وما تبعها من تصريح واضح بضم الأرض واعتبار الجدار هو خط التماس بدلاً من الخط الأخضر وكذلك اخضاع التصاريح لقرار القيادة العسكرية للاحتلال يدل على أن اسرائيل تتعامل مع وجود الفلسطينيين على أراضيهم بأنه أمر مؤقت وكل هذه الاجراءات ما هي إلا تهجير ممنهج للاستيلاء الكامل على الأرض وانغلاقها بشكل نهائي.

قرى محافظة قلقيلية: حبلة، رأس عطية، عزبة سلمان، كفر صور، عزبة جلعود، كفر جمال، جيوس، عزبة الطبيب، عسلة، الضبعة، واد الرث، رأس طيرة، عرب الرماضين الجنوبي، أبو فردة، كفر ثلث، عزون عتمة، سنيريا، بيت أمين، جلبون، عربونة، ورابا، المطلة والمغير.

قرى محافظة طولكرم: قفين، عقابا، عنيل، دير الغصون، شويكة، الجاروشية، جبارة، باقة الشرقية، نزلة عيسى.

قرى محافظة جنين: عانين، طورة الغربية، طورة الشرقية، نزلة الشيخ، زيد، الخلجان، وزبدة، أم دار، وظهر العبد، برطعة الشرقية، قرى ظهر المالح، أم الريحان، فقوعة، عربونة، زبوبة، رمانة والطيبة.

قرى محافظة رام الله: بيت لقيا، نعلين، بدرس، والمدية، قبيا، رنتيس، شقبا، شيطين، دير قديس، اللبن الغربية، منطقة الكروم، منطقة عيش الوادي والطوال والمدية.

قرى غور الاردن: العقبة، بردلة، مردلة، كردلة، عين البيضاء.         

النتيجة

لم يبن الجدار على الخط الاخصر ومن الناحة العملية يبنى الجدار بالكامل على الارض الفلسطينية المحتلة. ويفصل الجدار الفلسطينيين بعضهم عن بعض ويفصلهم عن اراضيهم، ويعزلهم وينشيء الجدار جيوباً ويفتت وحدة الارض الفلسطينية المحتلة ويحول دون اتصالها جغرافياً. بالاضفة الى اثره الكبير على جميع جوانب الحياة الفلسطينية في القرى الفلسطينية المتضررة مباشرة من الجدار، وحتى في القرى البعيدة فان نظام الجدار يضعف قدرة الفلسطينيين على كسب رزقهم بصورة مستدامة.

الجدار مصمم لضمان حماية وتوسيع المستوطنات الاسرائيلية في الارض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل القدس الشرقية وحولها. وبالاضافة الى المناطق التي ووفق عليها لتوسيع المستوطنات، فان نحو 80% من المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية سيكونون خارج الجدار.

الجدار مصمم لضمان السيطرة الاسرائيلية الدائمة على الموارد الطبيعة في الارض الفلسطينية المحتلة. فقد استغلت اسرائيل منذ عام 1967 موارد المياه العالية الجودة في الضفة الغربية. ومعظم المياه العذبة التي تستخرجها اسرائيل سنوياً من طبقات المياه الجوفية في الضفة الغربية يستهلكها المستوطنون.

نظام الجدار جزء من نظام اوسع من شبكات الطرق وتوسيع المستوطنات وتكامل البنى الاساسية مع اسرائيل. ويعمل نطاق وطبيعة مشروع الجدار على ترسيخ الوجود الاسرائيلي في الارض الفلسطينية المحتلة.

الحق بناء الجدار بالفعل ضرراً دائماً بالارض الفلسطينية المحتلة من حيث تجريف الاراضي وهدم البيوت واحداث تغيير جذري في حياة الفلسطينيين الاقتصادية والاجتماعية اليومية.

Check Also

Leader denies reports Hamas wants PLO alternative

CAIRO – A Hamas leader on Sunday played down reports that his group wanted to …